تلك اللذات من أفهام الكافة شبهَّها ومثَّلها لهم بأنواع ما تدركها حواسهم فقال تعالى: (مثَل الجنة التي وُعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهارٌ من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى) . ليبين للكافة طيبها بما عرفوه من طيب المطاعم وقال: (مثل الجنة التي وُعد المتقون) . ولم يقل الجنة لينبه الخاصة على أن ذلك تصوير وتمثيل، فالإنسان وإن اجتهد ما اجتهد أن يطلع على تلك السعادة فلا سبيل له إليها إلاّ على أحد وجهين: أحدهما أن يفارق هذا الهيكل، ويخلّف وراءَه هذا المنزل فيطلع على ذلك كما قال الله تعالى: (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً قل انتظروا وإنا منتظرون) . والثاني أن يزيل قبل مفارقة الهيكل الأمراض النفسانية المشار إليها بوله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً) وأرجاسها المشار إليها بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) فيطلع من وراءِ ستر رقيق على بعض ما أعد له كما حكي عن حارثة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم عزفت نفسي من الدنيا فكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً وأطلع على أهل الجنة يتزاورون وعلى أهل النار يتعاوَوْن فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " عرفت فالزم " وقال أمير المؤمنين عليٌّ عليه السلام: " لو كُشف الغِطاء ما ازددتُ يقيناً ".