الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين) وقوله تعالى: (والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوأنهم في الدنيا حسنة) . فهؤلاء حيوا بها حياةً طيبة كما قال تعالى: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طيبة) وفريق يتناولوها لا على الوجه الذي جعلها الله لهم، فركنوا إليها فصار ذلك لهم نقمة وشقاوة، فتعذبوا بها عاجلاً وآجلاً وهم الموصوفون بقوله تعالى: (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون) .
فصل
والسعادات الأُخروية ليس لنا تصور كنهها ما دمنا في دار الدنيا ولذلك قال تعالى: (فلا تعلم نفسٌ ما أُخفي لهم من قرة أعين) . وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام عن ربه تعالى " أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت ولا أُذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر " والسبب في قصورنا عن تصورها شيئان: أحدهما أن الإنسان لا يمكن أن يعرف حقيقة الشيء وتصوره حتى يدركه بنفسه، وإذا لم يدركه ووصف له يجري مجرى صبيّ توصف له لذة الجماع فلا يمكن أن يتصور حقيقته حتى يبلغ فيباشره بنفسه. وكالأكمه توصف له المرآة. وحالنا في اللذة الأُخروية هكذا فإننا لا نتصورها على الحقيقة إلا إذا طالعناها فإذا طالعناها شغلنا الفرح والتلذذ بها عن كل ما دونها كما قال تعالى: (أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون) . والثاني أن لكل قوة من قوى النفس وجزءاً من أجزاءِ البدن لذة تختص بها لا يشاركها فيها غيرها، فلذة العين في النظر إلى ما تستحسنه، ولذة السمع في الإستماع