والمطبوعة وغير المطبوعة- قد استغرقت حيزا كبيرا، ان لم يكن الحيز الأكبر منها، وكادت تغطى على ما فى القرآن من مبادئ واحكام ووصايا، هي جوهر القرآن ومحكمه الذي فيه الهدى والذكر والموعظة والنور والفرقان، حتى كادت تشغل المسلمين وتستغرق تفكيرهم.
ولقد كان كثير من القصص والشخصيات القرآنية مما ذكر فى الكتب والاسفار التي كانت متداولة فى أيدي اهل الكتاب، ولم تكن هذه الكتب والاسفار مترجمة الى العربية، فكان اليهود يقرءونها بالعبرانية، ويفسرونها للسائلين بالعربية، ولم يكن لدى المسلمين الوسيلة للتاكد من صدقهم فى الترجمة او تحريفهم لها. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم (لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم) (?) .
ونحن نرجح ان جل ما روى عن مسلمة اهل الكتاب كان اجوبة على اسئلة من المسلمين عن جزئيات الاحداث والشخصيات والاعلام والمسائل القرآنية، وانهم كانوا يعزون اجوبتهم الى ما فى أيديهم من الاسفار، فيتقبله السامعون على علاته، ويرويه الرواة ويدونه المدونون، لأنه لا سبيل الى التحقق من صحته، بالنسبة للسائلين والرواة والمدونين، من اهل القرون الثلاثة الاولى.
ولا يمنع هذا، ان اهل الكتاب كانوا يسترسلون فى شرح الاجوبة والتعليق عليها من عند أنفسهم.
ان المسئولية الاولى عن هذه الاسرائيليات التي ملئت بها كتب التفسير، لا تقع على عاتق اهل الكتاب وحدهم كما هو قائم فى الأذهان، وانما تقع على عاتق الرواة والمدونين القدماء، سواء الذين رووا ودونوا اجوبة اهل الكتاب وشروحهم لاول مرة فى كتب لم تصل إلينا، او الذين دونوها فى الكتب التي وصلت إلينا نقلا عن الكتب المتقدمة.
وكلهم مفروض فيه القدرة على تمييز الغث من السمين، والباطل من الحق، والكذب من الصدق، وعلى لمح ما فى هذه الروايات من غلو ومبالغات لا يصح كثير منها فى عقل او منطق او واقع، ولا يؤيدها اثر صحيح.
ولا شك ان هناك مفسرين وقفوا من بعض هذه الروايات موقف المنكر الناقد، غير ان الحق يقتضينا ان نقول ان هذا لم يكن شاملا ولا عاما، وان الناقدين والمفكرين أنفسهم رووا كثيرا منها فى مناسبات كثيرة بدون نقد او انكار.