وفي قوله تعالى: {فَاجْلِدُوا} [النور:2] : الجلد يكون بالسوط ونحوه، والكلام في صفة الجلد يكون في أمور: - منها: حكمه: وهو الوجوب بالإجماع، لظاهر قوله سبحانه: (فَاجْلِدُوا) ، وهذا أمر، والأمر يدل على الوجوب.
- ومنها: بأي شيءٍ يُجلد؟ يُجلد بسوط الذي هو وسط، ليس بشديد الطراوة، ولا شديد اليبس مما يجعله يتكسر لو ضرب به، وإنما هو بين بين، كما ورد في الأخبار والآثار وانعقد على ذلك عمل السلف والخلف رحمة الله على الجميع، فلا يُضرب بسوط يابس يتكسر ويتهشم عند الضرب به، ولا يُضرب كذلك بسوط طري ندي لما فيه من المبالغة في العقوبة والزيادة، وإنما يُضرب بما هو بين ذلك.
ومنها: موضع الضرب: وأصح الأقوال عند العلماء رحمهم الله أن الرجل يُضرب قائماً، والمرأة تُضرب جالسة، بعد أن تلف عليها ثيابها، ويُضرب الرجل على ظهره ما بين رقبته وعجزه، ويفرق الضرب على سائر ظهره، ولا يستقر في مكان واحد حتى لا يُتْلِف عضواً من أعضائه.
- ومنها: أن الجالد ينبغي له ألاَّ يجلد جلد الحانق، وألاَّ يجلد بموات.
والمراد بقولهم: (جلدة الحانق) أي الذي يضرب بغيض، ومثَّل العلماء لذلك بأن قالوا: لا يرفع يده حتى يُرَى إبطه، وإنما يضربه مع استقرار يده على إبطه.
وكذلك أيضاً لا يضرب بموات، لقوله تعالى: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ} [النور:2] ، فالمطلوب هو الوسط، ويُفَرَّق الضرب على الظهر على الصفة التي ذكرناها.
وينبغي أن يُختار الوقت المناسب للجلد: فليتخير لذلك اليوم الذي لا يكون شديد الحر ولا شديد البرد، ويجرَّد من ثيابه، ويبقى بثوب واحد يقيه البرد إذا كان ثَمَّ برد، أو يقيه لفح الشمس على ظهره إذا كان النهار صائفاً، ويضربه على هذا الوجه بمحضر جماعة المسلمين.