يقول سبحانه: (وَالسَّعَةِ) وأصل السعة ضد الضيق، والسعة إذا أطلقت تطلق في القرآن كما هنا بمعنى بسطة الرزق، والله تبارك وتعالى أشار إلى بسطة الرزق بالسعة، وأشار إليها بالبسط، كما أشار إلى الضيق بالقَدْر، فقال سبحانه وتعالى: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} [الرعد:26] أي: يضيِّق، فجعل سعة المال وضيقه مبنية على هذا الوجه الذي هو أصل في المحسوسات.
وقوله تعالى: (وَالسَّعَةِ) : أي: الذين وسع الله عز وجل عليهم في رزقهم فأصبحوا أهل مال وثراء.
(وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) في هذه الآية الكريمة دليل على أن أصحاب الجود والسخاء الذين يبذلون المال للضعفاء والفقراء يبتغون بذلك مرضاة رب الأرض والسماء أنهم أهل فضل، والله تبارك وتعالى شهد لهم من فوق سبع سماوات بذلك، فمن كان سخياً جواداً بماله في طاعة الله ومرضاته، يحتسب من إنفاقه رضوان الله عز وجل عليه، فإنه يعتبر من أهل الفضل بشهادة الله تبارك وتعالى، وفي هذا دليل على فضل الإنفاق والجود في طاعة الله ومحبته، ولو لم يكن في فضل الصدقة والإحسان إلا قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح عنه أنه قال: (إن الصدقة تطفئ غضب الرب كما يطفئ الماء النار) لكفى بذلك فضلاً وشرفاً، ولذلك لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين السبب الذي يوجب نجاة العبد من نار الله وعذابه قال: (ما مِن أحد منكم إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار، فاتقوا النار ولو بشق تمرة) .
قال بعض العلماء في قوله: (فاتقوا النار ولو بشق تمرة) دليل على أن مِن أعظم الأسباب التي تنجي من النار وعقوبة الله: الصدقة، ولذلك نهى الله تبارك وتعالى أهل المال والثراء عن الإنفاق مع الأذية.