مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191] فَتَرَكَ ذِكْرَ قَائِلِينَ، إِذْ كَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ؛ وَقَوْلُهُ: {مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191] يَقُولُ: لَمْ تَخْلُقْ هَذَا الْخَلْقَ عَبَثًا وَلَا لَعِبًا، لَمْ تَخْلُقْهُ إِلَّا لِأَمْرٍ عَظِيمٍ مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ وَمُحَاسَبَةٍ وَمُجَازَاةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا، وَلَمْ يَقُلْ: مَا خَلَقْتَ هَذِهِ، وَلَا هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا الْخَلْقَ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: {سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] وَرَغْبَتُهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ فِي أَنْ يَقِيَهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنِيَّ بِقَوْلِهِ: {مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: 191] السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ عُقَيْبَ ذَلِكَ: {فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] مَعْنًى مَفْهُومٌ؛ لِأَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَدِلَّةٌ عَلَى بَارِئِهَا، لَا عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَإِنَّمَا الدَّلِيلُ عَلَى الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ الْأَمْرُ وَالنَّهْي؛ وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثناؤُهُ أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، أَنَّهُمْ إِذَا رَأَوُا الْمَأْمُورِينَ الْمَنِهِيِّينَ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا لَمْ تَخْلُقْ هَؤُلَاءِ بَاطِلًا عَبَثًا سُبْحَانَكَ، يَعْنِي: تَنْزِيهًا لَكَ مِنْ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا عَبَثًا، وَلَكِنَّكَ خَلَقْتَهُمْ لَعَظِيمٍ مِنَ الْأَمْرِ، لِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ، ثُمَّ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِالْمَسْأَلَةِ أَنْ يُجِيرَهُمْ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَنْ لَا يَجْعَلَهُمْ مِمَّنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، فَيَكُونُوا مِنْ أَهْلِ جَهَنَّمَ