من الخشب)، فوجد سواد بن غزية بارزاً من الصف، فدفعه بالقدح في بطنه وقال: "اعتدل يا سواد".
قال؛ "يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل". تصوروا هذه المشهدة، قائد الجيش يجابهه جندي عادي بهذا الكلام، ماذا ترونه صانعا به؟
يؤدبه؟ يعرض عنه؟ أو تبلغ به سماحة الصدر ونبالة الطبع، فيسامحه ويعفو عنه؟ او يزيد على الغاية فيقول: "عفوا انا أعتذر اليك"؟.
أما رسول الله فقد صنع شيئاً لا يصنعه احد، ولا يخطر على بال أحد، كشف له عن بطنه وأعطاه القدح، وقال له: "استقد! "، أي: أوجعني كما أوجعتك.
أقاد من نفسه وهو سيد البشر.
هكذا كان محمد!
كانت سيرة حياته كلها معجزة، عجز عظماء العالم جميعاً عن أن يتركوا لهم سيرة مثلها، في كل ناحية منها عزة وعظمة، في قوة جسده، وتكوينه الرياضي. في روحه الرياضية، وأنه لا يستخفه النصر حتى يبطره، ولا تزلزله الهزيمة حتى تثير غضبه أو تذهب بعزمه.
في ثباته في المعامع الحمر حتى كان أبطال الصحابة يحتمون به، وفي شجاعته التي تضعضع أمامها صناديد الرجال، وفي تواضعه للمسكين والفقير، ووقوفه للأرملة وللعجوز.
في اقراره بالحق، في صدق التبليغ عن الله، حتى انه بلغ الآيات التي نزلت في تخطئته وفي عتابه، في احترامه العهود وحفاظه على كلمته، مهما كلفه الحفاظ عليها من مشقة ونصب، سواء عنده في ذلك معاملاته الشخصية وشؤون الدولة.
وفي ذوقه وحسه المرهف، وأنه هو الذي سن آداب الطعام وقرر قواعد