وأنا أعجب لماذا حاول المتأخرون من مؤلفي السيرة الاستكثار من المعجزات، والتوسع فيها، واضافة معجزات لم تكن، وما حاجتهم اليها؟ وكل موقف من سيرة الرسول، وكل جانب من شخصيته، هو معجزة من أكبر المعجزات.
وما المعجزة؟ أليست الأمر الذي يعجز الناس عن مثله؟!
ان صدقه وأمانته معجزة، ولن اسردّ عليكم أمثلة كثيرة، فالمجال ضيق. ولكن أعرض مثالاً واحداً، حادثة مررت بها في مطالعاتي مئات المرات فكنت اقرؤها على انها خبر عادي، ثم تنبهت اليها يوما، فجأة .. فاذا هي اعجوبة، وكم في السيرة من أمثال هذه الاخبار. كلكم تعرفون أنه لما هاجر الرسول إلى المدينة، ترك علياً مكانه ليرد الودائع التي كانت عنده لقريش، فهل فكرتم يوما ما قصة هذه الودائع؟
يردها لقريش لا للمسلمين، اذ لم يبق أحد من المسلمين في مكة لما هاجر الرسول، لأنه كان آخر من هاجر، بقى كما بقى الربان في السفينة الجانحة، لا يتركها حتى ينزل الركاب جميعاً، ويصلوا إلى قوارب النجاة وهذه مَنْقبة ذكرتها عرضا.
قصة الودائع هي أن قريشا كانت (على كل ما كان بينها وبين الرسول) لا تجد من تأتمنه على ذخائرها الا محمدا، فتصوروا حزبين مختلفين، الحرب قائمة بينهما، حرب اللسان واليد والمبدأ والعقيدة، ثم يأتمن أفراد الحزب على أموالهم وأوراقهم، رجلا من الحزب الآخر!
هل سمعتم بمثل هذه الحادثة؟ وكيف يستودعونها هذا الخصم، ان لم يكن في أخلاقه وأمانته معجزة من المعجزات، والشك فيه أحد المستحيلات؟
هكذا كان محمد!
ويوم بدر يوم مر يعدل الصفوف قبل المعركة، وفي يده قدح (قطعة