وهند، هند امرأة أبي سفيان، التي بلغ من حقدها على محمد ودعوته، ان فعلت ما لا تفعله امرأة، ولا يفعله انسان، ولا يفعله الذئب، ولا النمر. شقت صدر حمزة وأخرجت قلبه وأكلته .. هند التي فعلت في حرب الرسول الافاعيل، لقد عفا عنها وبايعها وقَبِل اسلامها.

وأهل الطائف الذين سمعتم بخبر ما فعلوا بالرسول، لما أسلموا عفا عنهم. وهاكم الموقف الأكبر، المثل الأعلى في بابه، في كل العصور: أهل مكة الذين جرعوه وأصحابه الصّاب والعلقم، وآذوه في جسده ونفسه وعقيدته، وقالوا عنه، ونالوا منه، ومن أصحابه، وقاطعوه، وحبسوه في الشِّعب، ووضعوا الشوك في طريقه، وألقوا على رأسه كرش الناقة، وهو ساجد، وسخروا منه أنواع السخريات، واستمر ذلك لا يوما ولا يومين، ولا سنة ولا سنتين، ولكن ثلاث عشرة سنة، ثم حاربوه وذبحوا أقرباءه وأصحابه، حتى ظفر بهم، وأقامهم أمامه حول الكعبة، اذلاء لا يملكون دفاعا، وجاءت ساعة الانتقام .. لا، دعُوا كلمة الانتقام فانها لا تليق بالمقام، ساعة العقوبة المشروعة، التي يكون فيها الرد على هذه السلسلة الطويلة من التعديات والإساءات وها هو ذا يقول لهم: "ماذا ترون أني فاعل بكم؟ ".

انهم يذكرون ما صنعوا ويعرفون ما يستحقون، ولكن يذكرون أيضا خلق محمد ويعرفون مثله، فيقولون: "أخ كريم، وابن أخ كريم". ويسكتون في انتظار الحكم القطعي، ولو كان الحكم بقتلهم جميعاً، لما وجد من كتّاب التاريخ الصديق منهم والعدو من يلومه بكلمة، ولكن حكم محمد كان غير ذلك، كان مفاجأة لا يتوقعها أحد، مفاجأة أدهشت عصره وكل عصر يأتي بعده، قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وأنا آسف أن أعرض هذا الموقف، هذا العرض الموجز، ولقد كنت أتمنى لو جعلت الفصل عنه وحده، لأجلوه عليكم كما ينبغي أن يجلى، هذا الموقف يحتاج إلى قوة عشرة آلاف مصارع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015