فالحكاية ليست كما يظنون ويقدرون. وما يقولونه فيها لغوٌ لا يستحق الرد، وما عرضتُ له إلا لأبين الحق لمن لا يعرفه من القراء (?).

وقوة الجسد هي الانتصار على المقاومة المادية، وقوة القلب نصر على الخصوم، وهنالك قوة أكبر، لأنها نصر على ما هو أكبر من المادة، ومن الخصم. هي قوة الخُلُق، وهي نصر على النفس، وطبائعها وغرائزها ورغباتها وميولها.

وهذه مسألة نفسية مسلمة، عبر عنها الرسول بألفاظ شتى في مناسبات مختلفة، فقال: "ليس الشديد بالصُرَعَةَ (?) ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب". وهذا حق تستطيعون ادراكه من أنفسكم، واذا كانت القوة التي تصرع بها الخصم تقد بواحد مثلا، فان القوة التي تحتاجها للتغلب على غضبك، واطفاء ناره في صدرك، وأن تبدو هادئا في حركاتك وصوتك ولهجتك، تقدر بمئة، فهي أصعب بمئة مرة من تلك. وجرب أن تجيء لغضبان قد أعماه الغضب، حتى لا يبصر ما أمامه، فتحاول أن تذكره الخُلُق الحسن، واللين والعفو، هل تجد في كل عشرة آلافِ واحداً يستجيب لك في هذه الحال؟

تصور لو أن رجلا قتل أحب الناس إليك وأعزهم عليك، ثم جاءك مستسلما لدعوتك (وأنت الداعية)، هل تنسى ما ذرفت من ماء العين على قريبك، وما أرقت عليه من دمع القلب ... وتعفو؟

لقد عفا الرسول عن (وحشي) قاتل (حمزة)، لما أسلم، لكن غلبته طبيعته البشرية، فيما لا يخالف الاسلام، ولا يضر الرجل، فقال له: (لا تجعلني أراك)، فكان يتوارى عن عينيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015