الجرم، أو تسهل المحاكمة، أو تهون العقاب؟

لقد وقعت قضية كهذه على عهد الرسول. فتاة من أشرف أسر قريش، من بني مخزوم، من أسرة الوليد الذي يقال له الوحيد، أسرة خالد سيد قواد المعارك، وهي ثالث أسرة شرفا بعد هاشم وأمية، سرقت هذه الفتاة، وثبت الجرم، وتقرر الحكم، فسعى ناس في الوساطة لها، يظنون أن الرسول - لما يعرفون من حبه للصفح والعفو - سيعفو، فاذا هو يغضب ويفهمهم انما أهلك من كان قبلهم، انهم اذا اجترم الشريف تركوه، واذا اجترم الضعيف عاقبوه. ويقول لهم قولته العجيبة التي وطدت في حياة الاسلام ركنا ثابتا، وقررت أن الحدود لا تسمع فيها شفاعة، ولا يكون فيها عفو: "اما والله لو أنَّ (فاطمة بنت محمد) سرقت، لقطعت يدها".

وكان ذلك عنده شيئاً طبيعياً لأنه كان يعيش بالدعوة، ويعيش للدعوة، هواه تبع لما أنزل اليه، وكل ما يصله بالناس من أسباب القرابة والصداقة والمنفعة، ينقطع اذا اعترض طريق الدعوة.

وقد فرغ صلى الله عليه وسلم مما يحيا له الناس عادة من أمر الطعام واللباس، وفرغ من مطالب النفس كلها، ولم يكن يحرص على التقشف أو يعتمد الجوع، كما يفعل بعض من يدعي الزهد، ولا يواظب على لباس الفقر، ولا على اتخاذ الصوف، بل كان يأكل ما قدم إليه من الطيبات، وان لم يعجبه (مما لم يكن محرما) لم يأكله، ولم يعبه. وما عرف عنه انه ذم طعاما قط، وان لم يجد صبر على الجوع حتى يبرح به فيربط على بطنه الحجر، وكان يلبس ما وجد، ولا يلتزم زيا خاصا ولا نوعاً خاصاً ولا لونا خاصا، وقد لبس العمامة على القلنسوة، والقلنسوة بلا عمامة والعمامة بلا قلنسوة، واتخذ القميص والازار والرداء ولبس البرد، ولبس الجبة، لا كهذه الجبة الواسعة والاكمام العريضة، بل الجبة الضيقة الاكمام، ولم تكن عمامته كهذه العمائم، بل كما يعرف من عمائم أهل الحجاز، قطعة من قماش تلف على الرأس فان لم تكن اليها حاجة القيت على العاتق، أو استعملت في حاجة السلم، أو لربط الأسير في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015