الذروة إلى الحضيض، ونزلنا من الأعالي إلى الأسافل. وكانوا بالايمان سادة الدنيا وقادتها وأساتذتها، فصرنا المسودين المقودين، وفتحوا بسيف الحق ثلث العالم المتحضر، وفتح عدونا بسيف الباطل قلب بلادنا.
الإيمان بالقدر
ولما رأينا (أي رأى بعضنا) ان حياتنا كلها قد فسدت، وان الاحياء منا قد ذلّوا وذكرنا عز الاجداد وصلاحهم، تحوّل يأسنا من الحاضر إلى أمل بالماضي، وصّغار احيائنا إلى تعظيم أمواتنا، فنشأت من هنا مظاهر تقديس الأموات، والاعتماد عليهم، وانتظار المدد منهم. نظن ان نجاحهم وخيبتنا، تمكنهم من أمدادنا، فصرنا نقيم الأضرحة الفخمة، والقباب العالية عليها، ونبدي من التقديس لها، ما رجع بنا إلى قريب من عقائد الجاهلية. وصرنا ننذر النذور لهذه القبور، ونتوسل بها التوسل الممنوع، وربما طلبنا من أصحابها النفع والضرر، بلا أسباب ظاهرة، ولا واسطة ملموسة. وكل ذلك (رد فعل) لسوء حاضرنا، وجلال ماضينا.
الإيمان بالقدر
وكل ذلك جر اليه الفهم الخاطئ منا لعقيدة القدر، هذا الفهم الذي جعل منا من يخلط بين النصوص الواردة في الأمور الارادية، التي نملك التصرف فيها، والامور التي جعلها الله فوق ارادتنا، وأعلى من أن تصل اليها طاقاتها، ونشأ هذا الخلط العجيب في المذاهب الكلامية. فمن مدع ان الانسان مسير لا ارادة له، لأنه لا يستطيع أن يتحكم في عضلة قلبه مثلا، ولا عمل له في اختيار أبويه، وانتخاب بيئته الأولى، ونسوا ان الله أعطاه عضلات يتحكم فيها، وأعطاه عقلا يستطيع به أن يصحح (على قدر الامكان) اخطاء بيئته وآثار تربيته.
وتوسع آخرون، وأعطوا ارادة الانسان أكثر مما لها في الواقع. وخلطوا تبعا لذلك في أمر الثواب والعقاب، ونسوا ان الله لا يحاسب الانسان الا في