يؤمنون بالقدر، وان كان في هذه التهمة بعض الحق، كان السبب فيها سوء فهم كثير من المتأخرين لعقيدة القدر. لقد اتخذها كثير من المسلمين الجاهلين حجة لارتكاب المعاصي، وسبباً للكسل والخمول، مع ان سلفنا قد اتخذوا منها دافعاً إلى العمل وإلى الجهاد.
قرأنا ان الرزق مقسوم: "ما كان لك سوف يأتيك على ضعفك وما كان لغيرك لن تناله بقوتك"، فظن قومن ان مقتضى ذلك ترك الكسب، واهمال السعي، وان نقعد بلا عمل، وننتظر ان تمطرنا السماء ذهباً وفضة، وان نسافر بلا مال ولا استعداد ... وقرأ ذلك السلف، ففهموا منه ان عليهم أن يعملوا كل ما في وسعهم، وأن يبذلوا لجمع المال من الحلال كل ما في طاقاتهم، ثم اذا استفرغوا الجهد رضوا بما جاءهم، فلم يسخطوا على ربهم، ولم يحملوا الحسد لمن نال من اخوانهم أكثر مما نالوا، ولم يبطرهم الغنى ولم يؤلمهم الفقر.
وسمعنا أن الأجل محتوم، فاتخذنا ذلك سبباً لاهمال التوقي والاحتياط، واضاعة المسؤوليات، والخلط بين الجريمة المتعمدة وبين القدر الذي وقع بلا جرم (?)، وسمع ذلك أجدادنا فقالوا: اذا كان الاجل محتوما لا يموت أحد قبل موعده ولو خاض اللهب وتلقى بصدره الرماح، ولا يتأخر عن موعده ولو اعتصم في حصن له سبعة أسوار، فلنعمل لما يرضي الله، نجاهد بأنفسنا في سبيل الله، لا نخشى الموت لأن الموت محتوم، له موعد لا يسبقه ولا يتأخر عنه، ولنجاهد بألسنتنا في انكار المنكر، ومواجهة الطاغي الظالم بكلمة الحق، فأقبلوا لا يخشون في الحق احدا، ولا يخافون الا الله شيئا.
وفهمنا ان كل شيء مقدر، وأهملنا دراسة سنن الله في الكون، وقوانين الطبيعة التي جعلها ربنا سبباً للنفع والضرر، وكان سلفنا هم علماءَها (?)، وهم الذين يعرفونها ويستفيدون منها، فكان من نتيجة ذلك أن هبطنا من