عددهم في مصر بعد ضغط الدولة العثمانية على المطبوعات حتى أناف على ثلثي الكتبة المصريين فتقدموا على غيرهم بما عرفوا به من النشاط والتفنن والحق يقال: إن أكبر مجلات القطر المصري كالمقتطف وأعظم جرائده كالأهرام كان يحررها السوريون"1.

وهذا القول على ما فيه من صدق لا يخلو من المبالغة، فالسوريون حقًّا كان لهم في مصر فضل على فني التمثيل والصحافة، وكان نشاطهم ملحوظًا في هذين الفنين وله عند المؤرخ واجب التقدير، ولكن ليس معنى هذا أن الصحافة المصرية ما كان لها أن تظهر وتستوي لولا وفود هؤلاء إلى مصر، فقد ظهرت جريدتا وادي النيل ونزهة الأفكار في الشق الأول من حكم إسماعيل قبل ظهور أي جريدة سورية في مصر بعدة سنوات، فإن مصر وحدها هي التي هيأت للسوريين هذه الفرصة، فقد كان واليها يشترك بمئات النسخ ويقوم موظفو حكومته بمساعدة هذه الصحف في تحصيل اشتراكاتها من الأهالي ومن بينهم من فرضت عليه هذه الاشتراكات مع جهله بالقراءة والكتابة2.

وللخديوي في هذا تاريخ معروف أثبتته الوثائق فقد كان حفيًّا بالصحف المصرية على اختلاف جنسيات أصحابها وتباين أغراضها، وقد أمد بعضها بإعانات مالية كبيرة، فاهتمام الحاكم المصري بالصحافة قد سمح للسوريين بأن يجدوا مجال النشاط والعمل ممهدًا في مصر.

ولا يمكن لمؤرخ الصحافة المصرية أن يغفل من حسابه في بحث هذه الحقيقة التاريخية الكتاب الوافدين على مصر أو المقيمين فيها من أبنائها المصريين، أولئك الذين ملئوا صحف المتمصرين وجالوا فيها بأقلامهم وألقوا إليها بما امتازت به عقولهم من عمق وفهم كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأبي السعود أفندي وغيرهم ممن له في كل صحيفة من صحفهم ذكر سواء كانت جادة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015