وظنيتها أو هازلت في رسالتها، ولولا هذه البيئة الحرة لما استطاعوا إلى النجاح سبيلًا.
وإلى جانب هذه الحقيقة يجب أن نذكر أن الحرية -حرية القول والكتابة- قد عزت في بلاد الدولة العثمانية جميعًا حيث ضغطت الحكومة على المطبوعات وطبقت قوانينها العنيفة التي أفلتت منها مصر بتشجيع واليها وإهماله لها، وقد استطاعت صحف الشاميين وغيرهم أن تعيش وتتقدم بمعاضدة بعض الدول الأجنبية ماديًا وأدبيًا مهما لقيت من عنت الحاكم أحيانًا فقد كانت لتدخل قناصل الدول في مصر وحمايتهم لهذه الصحف أثر كبير في بقائها ونجاحها، وهذه ميزة لم تتحقق للمصريين إلا في النادر من أصحاب الصحف الشعبية الأولى.
فالبيئة المصرية، والبيئة المصرية وحدها من بلاد السلطنة هي التي كانت تتمتع بحرية منقطعة النظير لا توجد في سوريا ولبنان، والطبيعة المصرية والتفكير المصري سمحا بوجود صحافة تقرأ لأن النهضة المصرية كانت أوسع مدى مما عليه بلاد الشرق جميعًا، وظروف الحياة المصرية بخديوها وأزماتها، واضطراب الأفكار فيها تجديد في شتى الميادين، كل أولئك جعل مصر تحتمل في سعة آدابًا وصحفًا وسياسة، وقد فرضت شخصيتها المعنوية المتميزة وجودها على الدولة العلية مستمدة هذا الوجود من تاريخ حافل وذكريات يحسب لها في مقومات الشعوب ألف حساب، وقد ثبت أن الصحف الوطنية الخالصة التي ظهرت بجانب الصحف الشامية في مصر لم تكن أقل منها نضجًا أو أثرًا في نفوس الناس وتهذيب الرأي العام وأن مصر "لو لم يكن في ربوعها الحرية وفي أمرائها الأريحية والتنشيط"1 كما يقول شيخو لما قصدها فرد من هنا أو هناك.
ومجمل القول إن مصر كانت في ذلك العهد أمة لها رأي عام مهما يكن