فخصصت لها في إحدى السنوات إعانة قدرها ثمانية وعشرون ألف قرش.

وقد سار على درب أبي السعود أفندي كاتبان معروفان في عصر إسماعيل بعلو الهمة وواسع الدراسة، والدراسة الغربية بالذات، وهما إبراهيم المويلحي وعثمان جلال1 فأنشئا مجلة "نزهة الأفكار" صحيفة سياسية أسبوعية، وكانا جديدين حقًّا على الصحافة المعاصرة في سنة 1869 فصدرت جريدتهما غريبة عن الوسط الصحفي، بعيدة عما يقره الخديوي من آراء، فلم يحتمل هذا التجديد في الرأي والمعاني، فهو يريد صحافة حرة ولكن بمقدار، وهذان شابان قد غرتهما مظاهر التجديد الذي أخذ يدب في الحياة المصرية فظنا أن لقلميهما حرية الكتابة على ما يهويان، لكن إسماعيل، بإيعاز من ناظر حربيته، أمر بمصادرة الصحيفة بعد عددها الثاني2.

بدأت الصحافة الحرة في مصر، لا هي شعبية ولا هي رسمية في جريدة وادي النيل، ثم تخلصت من رسميتها ومضت على سجيتها شعبية حرة في نزهة الأفكار، ووقف دون تقدمها حكم مطلق لا يحول دون بطشه بحرية الرأي حائل، غير أن هذه الصحافة على قلتها قد غيرت من القول المشاع بأن الصحف المصرية بدأت في كنف أهل لبنان وبجهد أبناء الشام، فهاتان الصحيفتان ومحرروهما -من علمنا- قد ردتا هذا الرأى وأبطلتا هذا الزعم وأوضحتا أن نشأة الصحافة الشعبية في مصر كانت بأيد مصرية خالصة.

لم يكن إسماعيل في أول الأمر يريد صحافة تعبر عن مصر أكثر مما كان يعبر عنها مجلس شورى النواب، يريدها صحافة موالية في جيدها حبل من رقابته ما بقيت يدها ممدودة لنعمته، صحافة هادئة تكون في خدمته لتستحق عطفه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015