وكانت جريدة "وادي النيل"1 دارًا واسعة للنشر، إذ تولت مطبعتها في حي باب الشعرية نشر "جريدة أركان حرب الجيش المصري" وهي صحيفة رسمية كانت تصدرها الدولة -كما ذكرنا من قبل- لضباطها حافلة بأمتع البحوث والموضوعات، كما أن "روضة الأخبار" كانت تطبع في مطابع وادي النيل، هذا إلى جانب الكتب الكثيرة التي نشرت فيها.
وأبو السعود أفندي صحفينا الأول في صحافة مصر الشعبية شاعر مبدع يصوغ القوافي، وناثر مفتن يجيد البيان، ومترجم من عيون المترجمين في عهده لم تستغن عنه صحيفة شعبية أو رسمية، كاتبًا لها أو مترجمًا لفصولها، وهو في صحيفته قد جعل الصحافة المصرية في مفترق الطرق، إذ عند صحيفته خلصت تلك الصحافة من رسميتها وبدأت تتجه إلى هذا اللون الحر من الصحافة التي نعرفها اليوم.
ويعتبر جهد أبي السعود الصحفي محاولة لا بأس بها فصحيفته أو صحيفة وطنية شعبية في مصر، وقد زحم معظم صفحاتها بأخبار الخديوي ورجال حكومته وتولى فيها مناقشة ما اعتادت نشره جريدة "الجوائب" التي كانت يصدرها في الأستانة زعيم الصحافة العربية في ذلك العصر الأديب أحمد فارس الشدياق صاحب المؤلفات الممتعة في الأدب والتاريخ والاجتماع، وكان خلافهما واتفاقهما في المسائل الأدبية والمباحث العلمية خير ما في صحافة الشرق الأدنى خلال تلك الفترة من تاريخ الصحافة العربية.
وكان الخديوي إسماعيل يؤثر صحيفة وادي النيل وصاحبها بالعطف والرضاء، فهي لسانه عند خاصة دولته من قرائها الذي وجدوا فيها متاعًا ولذة، ووجدوا فيها أيضًا جديدًا من شئون الصحافة كأخبارها الطريفة الصادقة التي أمر الخديوي بأن تنشر فيها، ولذلك كان قدرها محفوظًا عند الناس لعلمهم بصلات صاحبها وقربه من ذوي السلطان، وقد عاونتها الحكومة بالمال أيضًا.