والإدارة، وأسس مجالس لبحث المشروعات التي تعود على البلاد بالفائدة، وأنشأ الوزارات المختلفة1 كما أنشأ شركات الملاحة، ومد خطًّا حديديًّا، وأشاع بين المدن أسلاك البرق الحديثة، وشرع في شق قنال السويس كما شق غيرها من القنوات الداخلية2.
لم تكن هناك حروب كحروب محمد علي تفرق بين الأسرة وعائلها أو تقتضي تجنيد الأفراد السنين الطوال، وكانت سبل المعيشة هينة لينة حتى على أفقر الناس وأكثرهم إملاقًا، وفي هذا العهد قامت الحرب الأهلية في أمريكا فحالت دون استثمار قطنها وأفادت مصر من ذلك فائدة عظيمة، وبلغ ثمن قطنها ثلاثة أمثال الثمن القديم3.
فهذه السياسة المشربة بروح العطف من الوالي، وهذا الرعد -مهما يكن حكم التاريخ فيه- قد أنعش حياة المصريين الأدبية والمادية، وإلى جانب هذه اللغتات من الوالي سعيد يجب أن يذكر أن الموافقة على امتياز قناة السويس في سنة 1854 كان عملًا لايقره السلطان، إذ لم تؤخذ فيه مشورته، وهو عمل فيه من استقلال الرأي وحرية العمل ما يزلزل قواعد التبعية للدولة العثمانية.
حقًّا لم يكن هناك رأي عام بالمعنى المفهوم ليحس هذه السياسة العليا، وإن كان هناك موجة من الرضاء والاطمئنان إلى العيش في ظل هذا الوالي، لذلك ساءت سياسة سعيد الداخلية والخارجية الدولة العثمانية، كما ساءت الأتراك في مصر وملأت قلوبهم حقدًا عليه، فكان خصومه أحرص منه على مخاطبة الشعب المصري عن طريق الصحف، فقد أحس الباب العالي أن هيبته في نفوس المصريين قد هون من شأنها سعيد الذي لفت المصريين إلى جوانب من الحياة رضية لم يعتادوها من قبل ومن شأنها أن تصرفهم إلى حب واليهم والركون إليه، وهذا مما يهدد مكانة الدولة العلية في مصر.