نشأت الصحافة الشعبية في مصر نشأة غريبة عنها، إذ تولى زمامها رجل دخيل في عهد سعيد باشا، وقد دعت ميول الوالي الجديد في سياسته الداخلية إلى نشر هذه الصحيفة، وهي الميول المعروفة عنه، المأثورة عن أيامه، فقد خول سعيد الفلاح حتى الملكية العقارية للأراضي الزراعية، وسن لذلك قانونًا مشهورًا باللائحة السعيدية1 ثم وجد الوالي شعبًا ينوء بالضرائب، وعليه التزامات حربية ثقيلة أساءت إلى النشاط الزراعي، فعين الضرائب وربطها وألغى المكوس والجمارك الداخلية، ثم خفف الخدمة العسكرية وحفظ للجيش نقاوته من العناصر الأجنبية واحتفظ بطابعه الوطني2 ثم ألغى الوالي متأخرات الضرائب3 ومحا فريضة العين واستبدل بها نقدًا بعد إلغاء نظام الاحتكار4 ويعتبر بره بالفلاح انقلابًا اجتماعيًّا خطيرًا. فقد نال كما رأينا حق الملكية العقارية وأجيزت ملكية الحاصلات ومنح سلطة التصرف في بيعها وتقدير ثمنها، ولهذا أثره العميق في شعب كان ولا يزال ملك الأرض عنده غايته الأولى والأخيرة، فهدأت نفوس الفلاحين واستقرت أمورهم بعد أن كانت حياتهم لا تستقر على حال من القلق، يهربون من قرية إلى قرية أو من القرى إلى الصحراء خوف الإذلال والكرباج.
وقد استعان سعيد بالمصريين بدلًا عن الأتراك وفي وظائف الدولة ودوائر أعماله5 كما حارب بعنف الأرستقراطية التركية التي كانت تسيطر في الجيش