فبهذا وبغيره من مقالات الصحف الرسمية رأت المجموعة القارئة في ذلك العصر شيئًا جديدًا لم تعتده، كما هيأت للطلاب والكتاب والمدرسين فرصة المنافسة بالاطلاع والإفادة والإنشاء في غير موضوع واحد، والإعلان عن الأكفاء والمجودين في شتى العلوم والفنون، وأتاحت الفرصة للشعر والشعراء في الروضة أو في الوقائع، ونشرت فيها الكتب تباعًا، وهي كتب للعلم أو الحكاية التهذيبية كما ترجمت الفصول الطوال وأرخت بذلك لعصر الترجمة أجمل تأريخ، ومجمل القول في أسلوب هذه الصحف إنها زخرت أحيانًا بنوع من السجع الذي يزدحم بالفواصل ويشغل بالجناس، وبعضه يثقل على السمع وينبو عن الفهم ويخرج على آداب اللغة العربية فلا يعد من أساليبها المرضية.
وأفضل ما في تاريخ الصحافة المصرية الرسمية أنها نشأت مصرية خالصة، ليس لغير المصريين فضل في إنشائها أو تقدمها أو ارتقائها، بل كان لها هي الفضل على البلاد الشرقية بما علمت من رجالها أصول الإنشاء والتحرير، حتى عادوا بعد قليل يقودون النهضة الصحفية في الشرق، وفي مقدمتهم أحمد فارس الشدياق صاحب "الجوائب" التي عظم شأنها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وكان لها في تاريخ الشرق وتياراته السياسية أثر وأي أثر، كما كانت وثيقة الصلة بالخديوي إسماعيل1.
وإذا كانت المطبعة صاحبة فضل على الصحافة الرسمية في مصر فإن الصحافة نفسها تقارضها هذا الفضل وتبادلها هذا المعروف، فإنّ إنشاء الوقائع استتبع توسيع مطبعة بولاق أول الأمر2، ثم فرض أخيرًا إنشاء مطبعة خاصة بها في عهد محمد علي وقبيل الاحتلال الإنجليزي كما أوحت الصحف العسكرية بإنشاء مطبعة الجهادية وروضة المدارس بالتمكين لمطبعة الحكومة من التقدم والارتقاء.