الحوادث ومقام سام من ذلك التاريخ، فهو قد أحدث للجريدة نظمًا رفعت من قدرها وقومت تاريخها، وبدلت غايتها وسار بها رويدًا ثم حثيثًا إلى الصحافة الحرة المعاصرة، وإن ردها الاحتلال البريطاني إلى رسميتها الأولى ومقامها القديم.

لم تشهد السنوات الأخيرة من عهد إسماعيل صحفًا رسمية أخرى، بل إن الصحف الرسمية بدأ يعتورها الانحلال لعدة أسباب، فهي قد بدأت في أوائل عهد الخديوي يوم أخذت الحكومة على عاتقها شئون الحياة السياسية والاجتماعية وتصويرها في صحف تصدرها هي وتملي عليها اتجاهها وتخضعها لرقابتها، ثم خرجت هذه الشئون في نهاية عصر إسماعيل من يد الحكومة حيث ظهر رأي عام لم يعد يحتمل هذه الصحافة المحدودة أن يكتفى بأفقها الضيق، فنشأت صحف شعبية ملأت الفضاء، وخنقت بشبابها الصحافة الرسمية القديمة، ومن هذا الأسباب أيضًا أن حكومة إسماعيل قبضت يدها على البذل لهذه الصحافة بعد الأزمة المالية التي أخذت بخناق الدولة في جميع دواوينها ومصالحها، ومن بينها ديوان المدارس وصحيفته والجيش ومجلتاه والطب ويعسوبه.

ويجب بنا ونحن نشيع هذه الجرائد الرسمية ونكتب صحيفتها التاريخية أن نذكر أفضالها على الحياة المصرية في جيمع جوانبها، فأما أقدمها وهي الوقائع المصرية فلم تعثر في حياتها إلا لمامًا، ولم يعرف في تاريخ الصحف الشرقية جريدة بقيت على الزمن وتخطت أحداث الحياة ومضت قدمًا كصحيفة الوقائع ولم يعرف في تاريخ الصحافة الرسمية جريدة شغلت الحياة الفكرية كالوقائع الرسمية، فقد كانت معلمًا لأدباء الشرق ولمفكري مصر الكثيرين، تحنوا على طلاب العلم ومبعوثي الدولة1 فتفتح لهم صدرها وتسمح للعامة بنشر مقالاتهم وآرائهم فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015