وإذا كان الصحافة في عمومها مدرسة للتعليم والتثقيف فإن الوقائع بقيت زهاء أربعين عامًا وهي وحدها هذه المدرسة، تذيع على المصريين بعض الأدب والاجتماع والسياسة أحيانًا، وكان ظل هذه المدرسة يمتد مرة إلى بلدان أوربا حيث يقرؤها الطلاب المبعوثون في دولها الكبيرة، ومرات أخرى على كريت والشام وبلاد العرب والسودان حيث تطالعها الجاليات المصرية من جند وضباط ومدنيين، ولا يذكر تاريخ الصحافة الرسمية في العالم كله جريدة حكومة تنقد الحكومة ورجال الدولة1 نقدًا ينغص عليهم حياتهم كما كانت تنقد المسئولين في مصر قبيل الثورة العرابية نقدًا لاذعًا أفاد جوانب الحياة المصرية ومكن للإصلاح في إدارات الدولة مصالحها2 الأمر الذي نقلها إلى مصاف جرائد الرأي التي تصدر عادة عن الأفراد والجماعات.
والوقائع المصرية فوق ما ذكرنا تعتبر مصدرًا خطيرًا من مصادر التاريخ المصري الحديث، وكل مؤرخ لنواحي هذا التاريخ لا يعود إلى الوقائع ولا يكمل حقائقه من صفاحتها يعتبر مؤرخًا ناقصًا غير محقق لأنه لم يستق تاريخه من جدوله الأصيل، ويعتبر بحثه -مهما يكن جهده فيه- بحثًا تنقصه الدقة التاريخية وتعوزه الحقيقة الأولى المنشورة في الوقائع المصرية في أسلوب الأوامر والأحكام والقوانين وفي بعض المقالات المهمة التي تصور طبائع الشعب ومثله في الحياة.
ولا يستطيع مؤرخ الصحافة المصرية أن يزعم للصحافة الرسمية أثرًا مباشرًا في توجيه الرأي العام أو خلقه، بيد أنه يستطيع أن يجزم بأن هذه الصحافة عاونت على تهيئة الأفكار وتثقيف العقول وتنوير الأذهان ولفت النظر إن صح التعبير، فجريدة أركان حرب الجيش تذكر كثيرًا من مواقف الجيش المصري المخلدة في أيام محمد علي وإبراهيم، وتصور لضباطها موقف ضباطه في الذود عن الوطن والدفاع عن حرمته وكيف طرد الإنجليز في سنة 1807،