وقد استغرقت بداية الصيف من كل عام أخبار الامتحانات المدرسية وحفلاتها كما ازدحمت بعض أعدادها بروائع من الشعر وقصائد المديح في الخديو إسماعيل، وشغلت بعض سطورها بالإعلانات، وهي إعلانات شديدة الصلة بوظيفتها كفتح المدارس وبيع الكتب والحاجة "إلى خوجات" وما إلى ذلك.
هذه هي الروضة التي بلغنا بها آخر مراحل النشاط الصحفي الرسمي في عهد الخديو إسماعيل، وهي نهاية موفقة كما كان البدء موفقًا في الوقائع المصرية ويكاد يكون عهد الخديوي خاتمًا لنشاط الصحافة الرسمية في مصر، فيما خلا مجلة شهرية علمية طبية نشرتها الحكومة في أواخر سنة 1881، وقد أذاعت الأهرام في محلياتها أن الأطباء الذي درسوا الطب في أوربا "شرعوا يفكرون في إصدار جرنال طبي وأنهم عرضوا الأمر على رئيس النظارة فسهل لهم وقرر معاونتهم بإحالة نفقة الجرنال على الحكومة، وأن أعضاء الجمعية الطبية انتخبوا لرئاسة تحريره الدكتور حسن بن محمود"1.
وإلى أن عين الشيخ محمد عبده محررًا للوقائع لم نشهد جديدًا في الوقائع المصرية عما كانت عليه قبل عزل إسماعيل وتولية توفيق، فإذا أخذ الأستاذ الإمام مكانه في تحريرها في 9 أكتوبر سنة 1881 تغير تاريخها كله، وأبت أن تعطي صورة للصحيفة الرسمية -لولا وظائف محرريها في الدولة ونشرها في مطبعة حكومية- فهي قد جاوزت وظيفتها وتخطت حدودها وأصبحت صحيفة رأي وفكرة قبل أن تكون صحيفة حكومية تخرج لنشر القوانين وتسجيل الحوادث الرسمية، فهي في ذلك الوقت من حيث سعادة مصر أو شقاؤها طمأنينتها أو قلقلها، تقدمها أو تأخرها، صورة حية لهذه الآمال والآلام، فإن كانت تاريخ مصر مجموع حوادث شعب له حياة سياسية وأدبية وعقلية، فقد تغير سير الجريدة الحكومة وتحريرها أيام الشيخ وأصبح لها مكان رفيع من تلك