ويروي لنا " رضي الله عنهrocchi" السائح المعروف المناسبة التي تم فيها التشريع الأول للمطبوعات في مصر، فيذكر أنه كان بين مدرسي مدرسة الفنون المدرس الإيطالي " رضي الله عنهilotti" وقد نظم هذا المدرس قصيدة شعرية طويلة سماها "ديانة الشرقيين" أساء فيها إساءة بالغة إلى الإسلام والمسلمين، ودعا فيها إلى التهوين من أمر هذا الدين والسخرية برجاله، وقد اتفق بيلوتي سرًّا مع "نقولا مسابكي" أفندي ناظر مطبعة بولاق على نشر قصيدته في المطبعة، وكان مسابكي تلميذًا لإيطاليا وأحد مبعوثي الوالي فيها، وهو نصراني لا يعنيه من أمر الدين الإسلامي شيء وإيطاليا في ذلك الوقت موطن العداء لهذا الدين، فتم طبع القصيدة دون علم الوالي، بيد أن سولت " Salt" قنصل إنجلترا في مصر وقتئذ كان في خصومة مع الناظم الإيطالي فرأى هذه الفرصة وسيلة يتوسل بها للإيقاع به، فروى للباشا أن في الكتاب فحشًا في القول وزراية بالدين إلى درجة أنه يستحيل على أي حكومة أن تقبل ألفاظه أو معانيه مهما تتساهل في حرية النشر أو حرية القول والكتابة، فأمر محمد علي بمخطوط الكتاب فألقى في النار وكاد يقتل مسابكي، ولولا شفاعة عثمان نور الدين من رجاله المقربين لتم القضاء على الكتاب وناشره معًا، ومن ثم أصدر الباشا أمرًا في 13 يوليو 1823 "4 ذي القعدة 1238هـ" يحرم طبع أي كتاب في مطبعة بولاق إلا إذا استصدر مؤلفه أو ناشره إذنًا خاصًّا من الباشا بطبعه، وفرض أشد العقوبات جزاء لمن يخالف هذا الأمر1.
ويعتبر أمر محمد علي هذا أول تشريع للمطبوعات في عهد أسرته، وقد انصب على الأجانب والمصريين جميعًا، وآية ذلك أننا لا نجد مطبوعًا في مطبعة بولاق إلا ونجد أمرًا عاليًا بطبعه عليه خاتم المطبعة وتاريخ نشره، وذكر أن ولي النعم أصدر أمره بأن يطبع في المطبعة لما رأى فيه "من الفائدة والملاءمة" حتى ولو كان أمر الطبع صادرًا من دواوين الحكومة الرسمية،