وطيدة مع هذه البيوتات، ثم عمل في المسرح وأعجب به الخديوي إسماعيل فسماه يومًا كما يزعم هو "موليير مصر" وله في التمثيل مسرحيات مترجمة ومؤلفة، جادة وهازلة، وقد ضمنها الملاحظة الدقيقة والسخرية اللاذعة والبسمة الطبيعية والدمعة الصادقة، وفي أثناء عمله المسرحي وجد في مصر رأيًا عامًّا يميل إلى النضج فاتصل بالسيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وهما قائدا هذا الرأي، وعليه درسًا اللغة الفرنسية، وكان للأفغاني رأي في إحياء الفكرة الحرة عن طريق الصحف، فاتفق الثلاثة على إنشاء صحيفة هزلية يديرها صنوع ويحرر فيها الشيخان بين آن وآن، وفيها تنقد أعمال الخديوي وتشرح تصرفات بطانته، ثم اتخذوا لها اسم "نظارته الزرقاء".
وقد صدر العدد الأول من هذه الصحيفة في مصر سنة 1877، وهي فريدة في نوعها لا في مصر وحدها بل في بلاد الشرق جمعاء، فهي نوع من الصحف لم يعتده المصريون ولم يروا له نظيرًا من قبل، وأسلوبها في أكثره دارج يجري بأمثال المواطنين وأقوال شيوخهم، وفيها لون من التصوير "الكاريكاتير" بذل في إخراجه صنوع خلاصة ما تعلمه من فن، ولقيت صحيفته الشعبية إقبالًا غريبًا واستهوت الناس من جميع الطبقات، وبلغ عدد ما طبع من بعض أعدادها خمسة عشر ألف نسخة1.
ويذكر الدكتور محمد صبري في كتابه عن تكوين الرأي العام المصري أن جريدة صنوع شغلت قراءها عن الاستماع إلى مطرب العصر أحمد سالم حين دخل بائع الصحف، فانصرفوا عن المطرب إلى قراءة الجريدة، مع أن أحمد سالم كان يترنم بأغنية من وضع أبي نظارة عنوانها "المضطهد" لقي على غنائه لها عشرة أيام في السجن2.