وما كان يمكن أن يحتمل إسماعيل وبطانته صحافة من هذا اللون فأغلق جريدة يعقوب وعالج أمر بقائه في مصر واستطاع أن ينال موافقة إيطاليا على نفيه -وكان صنوع محتميًا بها- فسافر أبو نظارة إلى باريس حيث أصدر جريدته بأسماء مختلفة، وقد اضطر إلى ذلك بعد أن حاربتها الحكومة المصرية وحظرت دخولها إلى مصر وحرمت المصريين قراءتها، وكان صحيفته تصدر في أول الأمر باللغة العربية ثم باللغة العربية والفرنسية وقد أصدرها مرة في ثماني لغات.

كانت جريدة "أبو نظارة" أو صحيفة مصرية في الخارج ولم تعش في مصر إلا بضعة أشهر ثم مضى بها صاحبها إلى باريس حيث ينزل كل خصيم للسلطات المصرية، وهنا استطاع صنوع أن ينتج وأن يعلن إنتاجه في صراحة المطمئن إلى فنه وعمله زهاء خمسة وثلاثين عامًّا، وقد جعل خطة صحيفته "مصر للمصريين" وكانت تباع في مصر وفي غير مصر من بلاد الشرق التي رحبت بها ومنحته حكوماتها من أجلها الأوسمة والنياشين1 وقد ردها إلى اسمها الأول يوم ولي شئون الحكم شريف باشا في عهدي إسماعيل وتوفيق فكانت صحيفته توزع في مصر دون رقيب أو حسيب مع ما حملت من المعارضة القاسية والبذيئة للخديوين في بعض الأحيان.

ويمتاز صنوع في عمله الصحفي بباريس أنه كان الكاتب والمدير ومصور الجريدة وطابعها، ولم يكن هذا الصحفي المصري خاليًا من العلم بل كان رجلًا مثقفًا "شاعرًا صادق الشاعرية" قال فيه لا جازيت دو بوردو "إنه شاعر ونظرته للأمور وإن كانت مبهمة إلا أنها عميقة" وأعجبت به " The Standard" و" The Morning Post" ومجدتا سخريته المصرية البديعة، ويقول عمدتنا في تاريخه بول دوبنيير "إن له نواحي من الضعف بيد أن فيه نواحي من الجمال الحق وصفحات سامية ذات قيمة وجديرة بأن تلفت النظر" وكان أبو النظارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015