وإذن تكون الحكومة المصرية هي التي فكرت في الوقائع الكريدية وهي التي أمدت الصحيفة والمطبعة بالموظفين المصريين الفنيين وجعلت عمالها كريد في خدمتهما معًا، وبالرجوع إلى هذه الصحيفة يمكن تقرير حقيقة تثبت الآثار المصرية فيها، فوقائع كريد صورة مطابقة للوقائع المصرية ثم هي إلى جانب نشرها أخبار الجزيرة ومجالسها نقلت عن الوقائع معظم فصولها وأنبائها، وسياستها العامة مرتبطة أشد الارتباط بسياسة الوقائع من حيث النظر إلى المسائل العليا والدعاية للوالي وأعماله، وأيد ذلك العدد الرابع والثمانون المحفوظ بدار الكتب المصرية.
بدأت الصحافة المصرية في الخارج صحافة رسمية، ولم يطل أمرها؛ لأن الولايات المتحدة أو البلاد الخاضعة لمصر لم تكن حالتها الفكرية تحتمل مثل هذه الصحف التي تقتضي دواوين ومجالس، وتقتضي حياة اجتماعية نشيطة كما كان الحال في مصر وكريد، لذلك كانت "وقائع كريدية" بداية للصحافة المصرية الرسمية في الخارج ونهاية لها أيضًا، ثم انتقلت فجأة في عهد الخديوي إسماعيل إلى صحافة متطرفة يصدرها أفراد ناقمون على الخديوي ورجال حكومته ويمثل هذه الصحافة في نشأتها يهودي مصري يقال له يعقوب بن صنوع، ويعقوب كاتب يختلف فنه عن كتاب الصحف في ذلك الوقت، فهو ناقد مر النقد، قاس في أسلوبه وحواره، لا يعرف قلمه حدودًا ولا قيودًا، تتمثل فيه طبيعة المصري إذا مزح أو سخر، وفي صحيفته سجلت الشخصية المصرية في أروع مظاهرها، وقد عرفه المصريون جميعًا في المدن وفي أعماق الريف، ولم تشهد الصحافة المصرية في مصر أو في الخارج معارضًا كيعقوب بن رافائيل صنوع "أي المتواضع".
وصنوع هذا من الإسرائيليين القليلين الذين قرءوا إلى جانب التوراة الإنجيل والقرآن، وهو من الصحفيين الذين استهوتهم الفنون فتعلم في إيطاليا الرسم والنحت والموسيقى فأجادها جميعًا وكسب بها معاشه في مصر وازدلف بها إلى قصور الأمراء والباشوات حيث علمها أولادهم، وأنشأ بثقافته صلات