وألح على الزعيم أن يؤلف وزارة وفدية فرفض مرة ومرة، وعندئذ رجاه الملك أن ينقذه واستحلفه بوطنيته وشجاعته، فقبل الرجل تأليف الوزارة وكتب إلى الملك يقول: "إنكم قد أعربتم بلسانكم الكريم المرة بعد المرة والكرة بعد الكرة عن ثقتكم في وطنية هذا الضعيف وإنكاره لذاته، مؤكدين أن هاتين الصفتين الكريمتين اللتين شاء فضلكم أن تسندوهما إلي تقتضيان علي أن أتقدم لإنقاذ الموقف"1.
وخرج زعماء الأقليات يعلنون أن النحاس خائن؛ لأنه قبل الوزارة لينقذ العرش والبلاد.
عندما ألح أولئك الزعماء على النحاس في حضرة الملك أن يؤلف من الوفد ومنهم وزارة كان ذلك عملًا وطنيًّا يضاف للنحاس من أمجاد، فإذا رفض وألف وزارة وحده كان ذلك خيانة للبلاد.
وحتى يحفظ النحاس حق البلاد ويصون استقلالها وجه إلى السفير رسالة يطلب فيها أن تقطع إنجلترا على نفسها عهدًا رسميًّا يمحو الإساءة التي وجهتها لمصر في إنذار 4 فبراير، وأنه يرفض هذا الإنذار ويعلن أنه قبل تأليف الوزارة من الملك بما له من حقوق دستورية، وبما تستمتع به مصر في استقلال تام في جميع شئونها، ورد عليه السفير بالتعهد المطلوب متضمنًا الاعتذار عما تم في غيبة الدستور والحريات.
ونختم هذه القصة بوثيقة لعل فيها فصل الخطاب.
لقد ألفت الدولة من ثلاث سنوات لجنة لتسجيل التاريخ، وأعدت اللجنة تقارير شتى عن مسائل كثيرة كان من بينها تقرير عن 4 فبراير، وقد انتهت اللهجة فيه إلى تبرئة الوفد من هذه القضية وسجلت رأيها في هذا مدعمًا بما عندها من بيانات، وطبعت من التقرير عدة نسخ تسملت السلطات بعضها.