ثم شغل الرأي العام بالكتاب الأسود الذي أصدره مكرم باشا عبيد بعد إقالته من عضوية الوفد المصري، وبعد الخطأ الذي ارتكبه الوفديون بفصله من مجلس النواب مع بضعة أفراد من حوارييه، وأصبح هذا الخطأ سابقة دستورية خطيرة استغلتها حكومات ما بعد الثورة.
ولم يكن في هذا الكتاب ما يشين الوفد والوفديين إلا إسرافهم في ترقية الموظفين الوفديين إلى مراكز أعلى بحيث ضج سائر موظفي الدولة من تلك الاستثناءات التي أهدرت حقوقهم، أما ما جاء عن الفساد الذي تعرض له الكتاب الأسود، فلم يكن كله صحيحًا، ومع أن السلطان في كل عهد لا يخلو من بطانة سوء، وهذا ما أخذ على الوفد إذ كانت في بطانته جماعة استغلت الحزب وحكومته، وهو أمر ما كان ينبغي أن يتاح فيه لمثل هؤلاء المستغلين أن يعبثوا في الأرض فسادًا؛ لأن الوفد يمثل الأغلبية الساحقة من شعب مصر فهو لمصر كلها، لهذا كان استغلال النفوذ الذي حدث إبان حكمه يبدو ضخمًا وكبيرًا بقدر ما كان الوفد ضخمًا وكبيرًا، وهو في الحق دون ما شهد المعاصرون من فساد الأحزاب الأخرى التي كانت ترى السلطان مغنمًا، ولا يعنيها بعد ذلك شيء.
ثم تجيء قضية الأسلحة الفاسدة التي كانت سببًا في هزيمة 1948 كما كانت تقول وتزعم الصحف والمجلات المعارضة للملك إذ ذاك، والصحيح أن صفقات الأسلحة الفاسدة التي تم شراؤها لحساب السراي ومن يلوذ بالسراي من ضباط خربى الذمة قد تمت صفقاتها بعد حرب فلسطين وإعلان الهدنة بين البلاد العربية وعلى رأسها مصر وبين إسرائيل، وفي ذلك صدر حكم من محكمة الجنايات في سنة 1954 برئاسة المستشار كامل البهنساوي، الذي جاء في حيثياته أن الأسلحة الفاسدة اشتريت بعد توقف الحرب بين مصر وإسرائيل.
وقد جاء الوفديون إلى الحكم سنة 1950 بأغلبية ساحقة في الانتخابات