إنما يحذر وكيل الخارجية الإنجليزية وزيره بأن انتهاء الأزمة لا يعني بحال انتهاء المشاكل، فقد ولى الحكم رجل لا يستطيعون تجريحه أو التشهير به في مشكلة 4 فبراير؛ لأنه كان بعيدًا عنها تمامًا، وهو رجل عنيد ينتظر أن يؤرق حياتهم بالمطالب، وأنه يجب أن نتهيأ للقائه "في الأزمة المقبلة".
ونروي فصول تلك المأساة فنذكر أن النحاس عاد من قنا وذهب للقاء الملك فوجد عنده زعماء الأحزاب الأخرى وبعض المستوزرين من بطانته وشرحوا له سبب الاجتماع وقصة الإنذار البريطاني بضرورة تأليف وزارة ائتلافية برياسته، وألح زعماء الأحزاب عليه ومعهم الملك، بأن يوافق على تأليف تلك الوزارة حتى تتفادى البلاد نتائج الإنذار البريطاني، ويصان عرش مصر فلا تتقاذفه الأنواء.
ورفض النحاس أمرين، الأول الإنذار البريطاني ووقع مع زعماء الأقلية رفض ذلك الإنذار، والثاني تأليف وزارة ائتلافية؛ لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، وهو لا يريد أن يعيد مأساة الوزارة الائتلافية سنة 1928 التي انسل منها المؤتلفون وزيرًا بعد وزير واتخذها الملك فؤاد تكأه لإقالة وزارته "نظرًا لتصدع الائتلاف".
ونقل الملك إلى السفير الموقف، فما كان من الأخير إلا أن حاصر قصر عابدين بالدبابات، وهدد بخلع الملك إن لم تؤلف وزارة برياسة النحاس.
ومن هذه الصورة الدقيقة التي سجلناها يبدو واضحًا تمامًا أن النحاس كان خالي الذهن مما رتبه السفير، فلو كانت متآمرًا فما كان يمكن أن يرفض تأليف الوزارة الائتلافية وهو متفق بشأنها مع السفير، أو كان قد اتفق مع السفير على أن تكون الوزارة وفدية لا شريك لحزب فيها ..
ثم ماذا؟
ذعر الملك فعاد ودعا الزعماء على عجل وعلى رأسهم مصطفى النحاس