عملوا على توثيق الروابط المصرية التركية فكانت تلك عقيدتهم التي أخذت على مداركهم كل تفكير أو تحليل أو تقدير، بيد أنهم خلقوا في جو الصحافة جديدًا لم يكن معروفًا من قبل ذلك وهو نشر الصحف عن طريق الشركات والجماعات "كاللواء والمؤيد والعلم والجريدة" في وضع يشبه كثيرًا ما اتبع في كبريات الصحف الأوربية، وارتبط هذا بإنشاء الأحزاب، فأضحت أهم الصحف تلك الصحف الحزبية التي تمثل الفكرة أوضح تمثيل، وقد انتشر أثرها على الجماهير في مصر فتحزبوا لها واعتبروها مرآة لهم فيها آمالهم وأحلامهم، وكانت الصحف الحزبية تقرأ في العالم العربي في العالم الإسلامي، وتستقبل في العالمين استقبالًا حسنًا، كما تولت بعض الهيئات إصدار الصحف كما صنع الأزهر في مجلته الغنية بالبحوث الأخلاقية والموضوعات الدينية.
وشهد ذلك العهد الصحافة المصورة، الهازلة منها والجادة، حافلة بصور الحوادث والأشخاص معلقة على أحداث مصر السياسية والاجتماعية شعرًا ونثرًا وزجلًا، غنية بالنكتة الرائعة والسخرية اللاذعة، ويؤثر عن هذا العهد جديد في العاملين في الصحافة فقد ألقيت شئونها منذ أنشئت في مصر إلى الرجال وحدهم وقلما كانت تطالعنا سيدة بمقال أو حديث، إلى أن نزلت إلى ميدانها المصريات فأنشأن أربع عشرة مجلة نسائية في مصر والإسكندرية وفي ذلك إيماءة إلى تغير الأحوال وتخلص الجيل من تزمته.
وللصحافة المصرية في ذلك العهد أثر غير منكور في إحياء اللغة العربية وآدابها في شعب يتحدث سادته اللغات الأجنبية ويفرض المحتل لغته عليه ويقدمها على سائر اللغات فيجعلها ضمن أدوات حكمه في الدواوين والمدارس بجانب المعاهد الأجنبية المختلفة التي جعلت اللغة العربية في المحل الثاني أو الثالث، وقد استطاعت اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية أن تنتزع من اللغة التركية سيطرتها الأولى ولم تملك القضاء على اللغة العربية التي أحيتها وقوتها الصحافة بانتشارها ومجادلاتها في المسائل السياسية والاجتماعية والدينية وهي مسائل اتصلت بكل موضوع سواء في الأدب أو العلوم أو القانون، ولم تعد الصحافة كما كانت من قبل ذيلًا لأفراد يمثلون فكرة من الأفكار فهي تحمل على الإنجليز كما تحمل