على الخديوي، وأخذت الجهات الرسمية جميعًا تترضاها وتتوخى محاسنتها بالتأييد الأدبي أو المادي أو تحاربها بالقوانين واستبدادها.
ويعتبر عهد عباس الثاني أعظم عهود الصحافة المصرية في تاريخها إلى الحرب العظمى؛ لأن مناصرته لها ولرجالها نشأ عنها نشاط أدبي منقطع النظير، فإلى عهده يرجع سجال الصحف في الآداب والاجتماعيات، وفي عصره عرف شوقي وحافظ وغيرهما من الشعراء والناثرين، وبل من بينهم من كان في معيته وركابه ومن عاش في عطفه وبره ونشرت له الصحف أفضل المقالات وأروع القصائد، وفي عصره نشأت فئة من الشباب كان لها في الميدان الصحفي بعد الحرب أبعد الأثر وهؤلاء من تلامذة صحف عباس الثاني وطلابها المجدين.
وكان الصحف المصرية تنحرف عن الجادة بين آن وآخر في ذلك العهد انحرافًا يعطل القضية المصرية، فكانت تشغل أحيانًا بالمسائل الشخصية كقضية الزوجية أو قضية القبط والمسلمين، وتنشر من التعبيرات في مساجلاتها الحزبية ما أثر في جيلنا، وكان هذه المهاترات الصحفية من أقبح ما ورث عن جيل الاحتلال.
وقد نجحت الصحافة المصرية في علاج الصدمة التي لقيتها مصر من الاحتلال، فقد ردت الأمن إلى النفوس وخرجت بالناس إلى الوجود وعلمتهم أن الهزيمة تاريخ لا ينبغي أن يعيشوا في أعطافه، وأن الاحتلال شيء لا ترضاه الشعوب الحرة، وأن ما فشلت فيه القوة الحزبية تستطيعه القوة المعنوية الكامنة في الأمة المصرية، وأن الحياة ليست ملك الأرض والتفنن في الطعام بل هي شيء أغلى من الأرض والطعام، وأن إصلاحات الإنجليز رد للحقوق إلى أصحابها وليست عملًا يفرض الاحتلال أو يمكن له، فآمن الناس بأنه شيء بغيض، ورأوا أن نظمه وأدواته عمل رجعي لا يحتمل، حتى فكر الإنجليز آخر الأمر في تغيير الأساليب القديمة وإنشاء الجمعية التشريعية خطوة لما بعدها وكان الأمل عريضًا في نجاح للصحافة أبعد من هذا لولا أن الحرب العظمى عاجلت المصريين فحدت من نشاط الأقلام، وختمت جهاد الصحافة على الصورة التي شرحناها بعد ثلاثين سنة من الجهاد.