المجلسان النيابيان وظيفتهما اللينة التي يجوز فيها لفت النظر أو إبداء الرغبة، فإن الأهرام لم تقف عند المعارضة الودية بل دعت إلى الجلاء وألحت فيه، وهي تؤرخ للسياسة الإنجليزية في مصر التي بدأ منذ سنة 1840 بإثارة أوربا على محمد علي باشا ثم "نراها قد احتلت مصر" وتحمل على إنجلترا وتصفها بأقبح الأوصاف فهي عندها أمة "كل يوم في شأن وكل ساعة في خطة" أما وعودها بالجلاء عن مصر فهي مواعيد عرقوب "فإنا على ذلك لا نرى إنجلترا تفي وعدًا ولا تحفظ عهدًا".
ولا تَمسّكُ بالعهد الذي وعدت ... إلا كما يمسك الماءَ الغرابيلُ1
وهي تعني أشد العناية بمؤتمر الأستانة، وكان وظيفة هذا المؤتمر التفكير في أمثل الطرق لحل المسألة المصرية، وهي تعرض التيارات المختلفة بين الدول وصحافتها المتباينة ثم تعلق في اتزان وعمق على ما يدور هنا وهناك2.
وكانت الأهرام أكثر الصحف انتشارًا؛ لأنها كانت الجريدة الوطنية الوحيدة كما يؤيد ذلك محمد فريد بك رئيس الحزب الوطني3 وكان يقرؤها الرأي العام النابه في خاصته والرأي العام القارئ في مجموعة المتعلمين، وقد أصبحت دعامة من دعامات حرية الفكر، فلا غرو أن أثرت معانيها في أعضاء مجلس شورى القوانين فقد بقي هؤلاء الأعضاء في موقف سلبي زهاء عشرة أعوام منذ أنشئ مجلسهم، بيد أنهم برموا بالمستشار الإنجليزي فرفضوا ميزانية عام 1893؛ لأنه لم يعرضها قبل الموعد المحدد لظهورها بوقت كافٍ، وهذا موقف جديد بالنسبة لهذا المجلس4 والأهرام تزكي هذه اللفتة الجديدة وتحذر الأعضاء من الشراك التي تنصب لهم في الخفاء5 فإذا بهم يظهرون