أصحاب النفوذ الحقيقي في البلاد أو من المصريين العاملين بإرشادهم في تصريف الأمور، ويقوي هذا الاتجاه أن تقارير السير بارنج السنوية قد أغفلت شئون الصحافة، مما يدل على أن أمورها قد استقامت وأنها خلو من الأحداث التي شهدتها الثورة أو عرفها عصر إسماعيل في خاتمته، وهذا كله ليس صحيحًا على علاته.
ثم يفاجئنا اللورد كرومر في تقريره عن سنة 1903، بحديث طويل عن الصحافة المصرية استغرق من التقرير ثلاث صفحات كاملات، وهو يستهل حديثه عنها بأنها إنما أغفلها في العشرين سنة الماضية؛ لأنه لم تكن هناك حادثة ذات أهمية تتصل بشئونها، وهو يزعم أنه حرص على حريتها في تلك الفترة، مع أن الاتجاهات العامة منذ عهد الاحتلال كان توحي بالتضييق عليها، والوقوف دون حريتها المطلقة، وهو يشرح فكرة إطلاق العنان لها شرحًا تمليه الثقة التامة بضعف أثرها هو أن أخطرها، فإنه ما دام جيش الاحتلال قائمًا فلا خوف على سلطان الإنجليز منها؛ لأنه يحمي الموقف من كل تطرف صحفي.
ثم يتحدث العمد الإنجليزي عن فكرة التقنين للصحافة فيذكر أن فكرة إصدار قانون للصحافة سينتج إشكالًا نحن في غنى عنه؛ لأنه يستوجب سريان نصوصه على الصحافة الأجنبية أيضًا، وفي ذلك من المشاكل ما يجدر أن نتجنبها، وإذا اقتصر القانون على الصحافة المصرية وحدها فإن ذلك يحمل المصريين على الاحتماء بالدول الأجنبية في حالة توظيفهم في الصحافة فلا ينال منهم القانون ويصبح لغوًا لا فائدة منه، هذا مع العلم بأن معظم الدول وبريطانيا في مقدمتها لا تميل إلى سن مثل هذا القانون.
واللورد كرومر يصارح حكومته بأن الصحف المصرية مهما تنشر من حملات فلن تغير مجرى الحوادث، وأن قضاياها مهما تكثر فهي تدور في حيز ضيق يتصل بالصحف التافهة التي تتعرض للشخصيات وتلغو في الكرامات وهذه صحف يسخط عليها الرأي العام، وهي قلما تسيء إلى شخصيات ورؤساء الدول الأجنبية أو الخديوي وأسرته.