ولما كانت الصحف لا يحفل بخطرها كما يقول اللورد فإنه أبى أن يجعل شرط ظهور الجريدة حصولها على ترخيص سابق، وسياسته هذه أنتجت في رأيه نتائج مرضية، فقد سمحت لبعض الصحف بالظهور وفي أسلوبها من الشدة والعنف ما فيه غير أنه يراجعها ويجد فيها بعض الفوائد أحيانًا، وهي لم تستطع أن تكون حائلًا دون التقدم في السنوات العشرين الماضية.
واللورد كرومر يوصي الموظفين مصريين وبريطانيين بالصحف المعتدلة؛ لأنها تفيد بنقدها وبشرح بعض الأخطاء التي تتلافاها الحكومة فلا تمكن الصحف المعارضة من أن تجد أسسًا قوية في حملاتها فتأتي معارضتها واهية لا أثر لها، وقد طالع بنفسه بعض هذه الصحف فرأى أنه كان من الخطأ ألا يعرف ملاحظاتها سواء في ذلك الصحف التي أصدرتها الأفراد أو الجماعات وهو يعيب على الرسميين كراهيتهم للصحافة وتبرمهم بكل معارضة، ثم يخطئ وجهة نظر القائلين بفرض قانون الصحافة؛ لأن من قانون العقوبات ما يغني عن سن تشريع جديد1.
ويجدر بمؤرخ الصحافة المصرية في تلك الحقبة أن يصور موقف السلطات قبل مناقشة اللورد كرومر فيما ذهبت إليه أقواله عن الصحافة المصرية، فالخديوي توفيق لم تكن له صحف ذات أهمية ولم يسع هو إلى خلق هذه الصحف بل كان موقفه موقفًا سلبيًّا وهو موقف سليم على أية حال، أما تركيا فكان لها بالطبع صحف تميل إليها أو تعمل لها بإيعاز من مختار باشا ممثل السلطان في مصر، فكان يدفع لبعض الصحف ألفًا وخمسمائة جنيه لكل منها2 وكان لفرنسا صحف كثيرة تناوئ الاحتلال وتحمل عليه، وهذه تعنيها مصالح فرنسا قبل أن تعنيها شيء آخر، وكان للمصريين بعض الصحف المعتدلة وتعتمد أهمها على رعاية القنصلية الفرنسية أيضًا ولم يفكر الاحتلال في أول الأمر في إنشاء صحف خاصة به بل كان الاحتلاليون وعلى رأسهم العميد البريطاني يعنون بالتمكين للاحتلال