وجدت الثورة العرابية من يعيها ويأخذ على رجالها أنهم أتوا كبيرة لم تعرفها أمة من الأمم، والثورة العرابية في الواقع شيء تردد صداه في أقطار الدولة العثمانية طلبًا للدستور والحياة الحرة التي ثارت من أجلها بلاد أوربية في حوض البحر المتوسط في أوائل القرن التاسع عشر أو في أواخره، والثورة العرابية ثورة عامة في مصر لم تدفع إليها طبقة دون طبقة بل شايعها الجامدون والمجددون على السواء، وآزرها "جميع الوجهاء وأعاظم العلماء والذوات ورؤساء المذاهب المختلفة والبرنسات"1. ولم تخفق الثورة العرابية لأن أصحابها كانوا يرجون شيئًا بعيدًا أو يتمنون حدثًا جديدًا يغير طبيعة الحياة ويسيء إلى الأمم المتحضرة بل أخفقت الثورة لغموض موقف السلطنة العثمانية منها، وقدرة الأجانب على حبك الدسائس لها، وأخيرًا لضعف قادتها من حيث تفكيرهم أو قوى جيوشهم.
لم تخفق الثورة فحسب بل نكبت في رجالها فأضحوا بين قتيل ومنفي وسجين، واستلم الإنجليز أمة ذاهلة أو في شبه ذهول، ليس لها قادة فقد أخرجهم الاحتلال من الميدان فظهر الخمود على الخاصة، وبلغ الإعياء عند العامة مبلغًا مضى بهم إلى لون من التسليم والركون إلى القضاء والقدر، ولم يعد أمام المحتلين أحد يطاولهم في رأي أو يناقشهم في حساب، وأصبحت أمور مصر كلها وديعة في يد البريطانيين يتصرفون فيها على ما يشتهون.
وقد أنفق اللورد دوفرين عز وجلufferin سفير إنجلترا في الأستانة زهاء نصف عام في مصر لينظم أمورها في ظل احتلال مؤقت، وكان أظهر ما صنعه في تمثيل الرأي العام إنشاء مجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، أما