وقد تحرت الصحف في أول الثورة الصدق في رواية أخبارها وإن انحرفت في آخرها عن هذه السمة وغليها القدح الشخصي فترة فجاء في أبواب الأدب مثالًا رائعًا يعني أصحاب البلاغة وأساطين البيان.
وجاءت صحافة الثورة بجديد غير معروف هو البرقيات الخاصة التي ازدحمت بها معظم الصحف وفي مقدمتها الأحوال والأهرام، وإلى هذه الأخيرة تنسب صحافة الأحاديث، فقد تخصص أحد أصحابها في مقابلة وزراء الدول وزعمائها في فرنسا وانجلترا والتحدث معهم عن مصر وشئونها، وتسجيل هذه الأحاديث في كتب أرسلها إلى مصر ونشرتها الأهرام على مدى الأيام، وقد روجت صحف الثورة العرابية للاقتصاد الوطني فدعت إلى إنشاء المصارف وحيت أصحاب الفكرة فيها وضربت على هذه النغمة الفينة بعد الفينة مدللة على ما للاقتصاد الوطني من أثر في استقلال الشعوب وحريات الأمم.
وهي تعالج معالجة الحصيف مشروعات الحكومة الداخلية فإذا أنشأت الدولة بنكًا زراعيًّا وهللت لتغطية أسهمه صحفها1 هاجها أسلوب تكوينه والمفيدون منه وهم "أصحاب الطين والأغنياء" ودرات المناقشة بين الصحف وأصحاب الرأي في البلاد في شأن هذا البنك فإن كانت الأحداث السياسية في تلك الفترة من حياة مصر قد وقفت أكثر الأقلام على هذه الأحداث فإن الصحافة المصرية لم تفوت البحث في شئون غير شئون السياسة، في حرية ساعد عليها استقلال رأي محرريها وعدم ارتباطهم بحزب من أحزاب الرأي على الوجه المعروف من الارتباط بين الصحف والأحزاب فيما خلا فترة الحرب ورقابة الرقيب، وهي فترة تميزت بالحزب العسكري وتحزب الصحف القاهرية له.