هذه كانت سياسة الحكومة نحو الصحافة في أدق مواقفها وهي مواقف على حداثة عهد المصريين بها تبين إلى أي مدى استوى تفكيرهم في علاج أمر المطبوعات، فالصحافة المصرية خلال الحرب تتبع نظمًا تماثل في طرائقها أحدث ما يتبع معها في الحروب الحديثة، كما أن الدولة قد نزهتها عن التعصب والطعن الشخصي، وعاقبت بعض الصحفيين من أنصارها حين امتنعوا عن تحقيق رغبتها، وذلك أمر لا يحدث إلا في صحافة أعرق الأمم التي تناقش عدوها موضوعيًّا دون قحة في لفظ أو تعبير.
وقد وقفت الصحف الثورية عن الظهور بعد تسليم القاهرة، ومهما يكن من أمر فإن تاريخها في الصحافة المصرية تاريخ حافل في كثرتها وفي أسلوبها المتميز بالعنف وإن غلبت عليه العبارة المشرقة والصورة البديعة، وهي صحف غنية بدراستها للمسائل السياسة دراسة علمية موفقة وإن قطعت عليها الثورة هذه الدراسة الممتعة، وقد تحدثت صحف الثورة في كل موضوع اتصل بالسياسة أو الأدب أو الاجتماع.
وقد كان التحدث في أمور الاجتماع شيئًا جديدًا لا على مصر وحدها بل على الشرق العربي كله، وكان في طليعة من عالج هذه الموضوعات الدقيقة الدكتور شبلي شميل، وله في الأهرام وغير الأهرام مقالات جديرة بالنظر قمينة بالتقدير والإعجاب.
وقد حيت الجمعيات الخيرية المختلفة إسلامية وقبطية، وساعدت بدعايتها على تقدمها، ثم نشرت القصص تباعًا وطبعت الكتب العلمية والأدبية في مطابعها وباعتها بأزهد، الأثمان، ومن أهم هذه الصحف العلمية والأدبية مجلة "المقتطف" فقد تكفلت بما كانت تقوم به صحف الدولة الرسمية التي أغلقت كروضة المدارس وما إليها فنشرت طرائف العلم والأدب والتاريخ، وكان أصحابها الثلاثة يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس ينقلون إليها أروع وأفضل ما في "الكتب والجرائد العلمية والصناعية" في الغرب والشرق1