شديدين فصودرت أموالهم وبترت أيديهم وقطعت ألسنتهم ونصبت المخانق لكثير منهم، ولم يوهن نشاط مذيعي الأخبار المخطوطة والمطبوعة أو يفتر بالرغم من هذه القسوة التي ذكرنا بعض أمثلتها، واضطرت السلطات آخر الأمر إلى الرجوع عن هذه القسوة، بل جعلت تترضى بعض المخبرين المحترفين وتكلفهم العمل لحسابها فنفقت سوق هذه التجارة في أوربا عامة وروما خاصة.

لكن الخبر المنسوخ لم يعمر طويلًا بل أخذ يتقهقر أمام الخبر المطبوع بانتشار الطباعة واعتدال ثمنه وتساهل الحكومات وتنازلها عن رقابته، فتلونت الأخبار وتباينت، وظهرت شعرًا ونثرًا، ولم تعد الأخبار وقفًا على الحوادث العادية المتواضعة، بل كان للحروب والحوادث الطبيعية والمشاكل الدولية أثر في ترويج هذه الصناعة بما كانت تذيعه المطابع في الأنباء المثيرة، كما عمدت بعض الأوراق الخبرية إلى نشر فيض من الحوادث المنقولة عن أوراق دول أخرى، وقد كبرت أوراق الخبر رويدًا ثم حثيثًا، فإذا هي دوريات تظهر كل ستة أشهر ثم دوريات تظهر كل شهر ثم كل أسبوع ثم كل يوم: وقد شهد القرن السابع عشر مولد هذه الدوريات جميعًا في فرنسا وانجلترا، وفي غيرهما من البلاد الأوربية ومضت هذه النهضة قدمًا وعبرت البحار إلى أمريكا الشمالية، بينما مضى الشرق في عزلته وتزمته، فلم يعرف الطباعة إلا بعد أن عرفت أوربا الكتب المطبوعة والصحف السيارة في المدن والمقاطعات المختلفة.

وكان من الأمور الغريبة حقًّا ألا تشارك مصر دويلات أوربا في تقدير الطباعة وتكريم الصحافة، وألا تمر بها الأدوار الصحفية التي مرت بأوربا، وأن تكون آخر بلاد الشرق الأدنى معرفة بالمطبعة وأقلها احتفالًا بها، ذلك أن مصر أبقت على تراث فكري كاد يندثر بسقوط الدولة العربية وتفرق كلمتها، وقد حملت علم النهضة ولم يقف نشاطها في العلوم والفنون بالرغم من غشاوات الجهل التي أعمت بعض حكامها، وبالرغم من نوبات الفتور التي مست الحياة الفكرية المصرية آنًا بعد آنٍ منذ عهد الفاطميين إلى أيام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015