ولم تكن إذاعة الأخبار المخطوطة من وظائف الحكومات بل تخصص بعض الأفراد لنسخ الأخبار المهمة ليقف على مضمونها النبلاء، وكان لهذه الطريقة أهمية خاصة في غضون القرن الخامس عشر في إيطاليا، وقد ساعدت الحياة الفكرية والتجارية والاجتماعية على نشاط هذه الطريقة الإخبارية، فإيطاليا في ذلك الوقت شعب راجت تجارته وزكت علومه ومعارفه وسيطر تفكيره على معظم أرجاء أوربا، فكان طبعيًّا أن يتحسس نبلاؤه وأغنياؤه ومفكروه أخبار دويلات أوربا والبلاد الأجنبية خارج القارة بما يحمله التجار وما تنقله أخبار السفن من أحاديث وروايات، فوجد أشخاص يحققون لهم هذه الرغبة، وكان هؤلاء يدفعون ثمنها بسخاء، وكان البندقية قطب الدائرة، دائرة العلوم والتجارة ودائرة الأخبار المنسوخة أيضًا، ولم يكن نشاط تجار الأخبار المخطوطة يقف عند البندقية بل كان لهم عملاء وحرفاء في المدن الإيطالية والألمانية من التجار ورجال المال، وقلد الألمان وغيرهم الإيطاليين في هذه الصناعة الجديدة.
وفي القرن السادس عشر ظهر الخبر المطبوع فلم يقض على الخبر المنسوخ وذلك لندرة المطابع أولًا وهي في أكثرها محتكرة من الحكومة أو رجال الدين كما أن ناشري الأخبار المخطوطة كانوا قلة قادرة صقلتها المرانة فتمسكت بمستواها العالي في أخبارها وأسلوبها، وتبع ذلك تمسكها بعملائها وحرفائها، ولما انتشرت الطباعة وأصبح الخبر المطبوع سهل النشر يسير التناول هبط مستواه ولم يعد يليق إلا بالعامة، كما أن المطبوعات جميعًا كان موضع رقابة خاصة من السلطات كما كانت موضع شكوكها وتضييقها، ففضل العظماء الأخبار المنسوخة وهي أخبار لا تخضع لرقابة رقيب ولا يعنيها أكان في الحكم سلطة استبدادية أم سلطة عادلة، لذلك كان أخبارها أصدق وأقرب إلى الحقيقة، ولهذه الصحف المخطوطة آثار في المكتبة الأهلية بفيينا وبعضها الآخر في مكتبة الفاتيكان.
ولقد لقي مذيعو الأخبار من البابوات والحكومات المختلفة ضيقًا وحرجًا