لاستقلال مصر وحياتها الدستورية، بيد أن هذه الأقلام الملتهبة خبت ثم انزوت ثم وقفت إلى جانب الخديوي علانية لما تحرج الأمر إبان الثورة العرابية، كما وقفت الصحف الوطنية أقلامها ضده وضد أسرته.

وكانت "المفيد" جريدة من جرائد الثورة العرابية بلغت حماستها غايتها في سنة 1882 وهي لا تمثل العناصر العسكرية أو المذاهب السياسية وحدها، بل حفلت صفحاتها بكثير من المقالات الاجتماعية والاقتصادية الممتعة، فهي يومًا تتحدث عن ذل المصريين المادي والأدبي1 وتكتب في يوم آخر مقالًا ثوريًّا عن الفلاح التعس "السيد في صورة العبد ورب الدار في موقف الخادم"2 وقد بلغت مكانتها الصحفية قدرًا جعل الأجانب يحسون خطرها ويلتمسون عطفها وخاصة في مشروعاتهم الاقتصادية، وقد حاولوا رشوتها لتحبذ عند العامة فكرة اقتصادية خاصة، فتأبى المفيد هذه الرشوة وتفضح أصحابها من الشرقيين والأجانب الذي نسوا في مساومتها أن "نفس الحر لا تبيع شرفها بثمن"3، ومنذ أبديت محاولة رشوتها في ذلك المشروع الاقتصادي اتخذت "المفيد" خطة جديدة نحو الشاميين في مصر، فهي تكتب المقالات تطلب من الحكومة فصلهم من وظائفهم؛ لأنهم غير خليقين بأن ينتسبوا إليها، وإذا عاتبها الشاميون من أصحاب الصحف ردت عتابهم في منطق لا يسف وفي عبارة مهذبة بيد أنها عنيفة قاسية4.

وتشتد الخصومة بين "المفيد" والصحف الثورية من ناحية وبين صحف الشام التي تصدر هناك من ناحية أخرى، وهي صحف قاسية الأسلوب زاد عنفها في أوار المعركة في مصر، وتتدخل "المحروسة" في أمر هذه الخصومة وهي آخر ما بقي في مصر من صحف الشاميين المتمصرين، وهي ترج في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015