بعد أيام مظلمة من اضطهاد الرأي وكبت اليراع، ونفست عن نفسها في أسلوب حاد كانت حدته موجهة إلى الأجانب خاصة، فقد اعتبرت الصحافة أن الضيق الذي لحقها مصدره الأجانب ورقيباهما وقناصلهم، فحملت عليهم حملة قاسية ذكرها اللورد كرومر في كتابه قائلًا: "أخذت الصحف العربية في أثناء ذلك تستثير حفيظة الأهالي على الأوربين وأسلوبهم في الحكم وتحرك العصب الديني"1.

أما الحملة على الأوربين فحقيقة تاريخية أحستها الشريفية فأخطرت الصحف بها ولفتت النظر إليها فذكرت أن "الجرنالات تعودت من مدة على الخوض في كلام يتعلق بالأجانب مع غاية الحدة وإظهار التأثر منهم والتغيظ بلا سبب ولا موجب، لا يراعون في كلامهم حالة البلاد المصرية وعلاقتها السياسية مع أنه لا يوجد في داخلية البلاد ولا في روابطها الخارجية ما يوجب اندفاع الجرائد المذكورة في هذا الطريق على وجه يوجب اضطراب الأفكار العمومية ويخدش الأذهان" ويبين الإخطار علاقة مصر بالسلطان وواجباتها نحوه، ثم يوضح حرص الحكومة على مصالح البلاد أمام الدول جميعًا، ثم تنذر الصحف "بأن لا تخرج في مقالاتها عن حد الاعتدال وألا تتعرض لشيء من الطعن والتنديد بأحد من معاهدينا لا على وجه العموم والخصوص"2.

فمهاجمة الأجانب إذن حقيقة تاريخية أقرها إنذار الحكومة للصحف، أما التعصب الديني الذي يذكره كرومر فتنكره مواقف الصحافة الوطنية خلال الثورة جميعًا، حتى إن إحداها ذكرت أنه لا يعنيها أن يكون على رأس الحكومة مسلم أو مسيحي وإنما يرضيها أيهما إذا جعل مصالح الوطن فوق كل اعتبار، وهي تسخف سقم تفكير السابقين في تعصبهم للدين "ولكننا أبناء هذا الجيل يعار علينا أن نسلك ذلك المنهج ونجعل الاختلاف في المشرب والتباين في العقيدة علة لعداوة مواطنينا الذين ليسوا على شاكلتنا في الدين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015