مع كونهم مشاركون لنا في الجنسية والوطنية، ثم إذا بقي شيء من أدران الأقدمين في نفوس العامة فعلى النبهاء الذي تنورت أفكارهم وعلموا أن ما أصاب الأقدمين من الضعف وما لحقهم من الشر مسبب عن تعصبهم للذين أن يدعوا الناس إلى ترك هذا التنابذ الذي لا خير فيه"1.
ويؤكد وجهة نظرنا في براءة الصحف من التعصب الديني أن إنذار إدارة المطبوعات لها لم يشر إلى هذا التعصب في كثير أو قليل، غير أن الحكومة أرادت وقف الحملة مهما يكلف الثمن وهي سليمة الطوية تتميز بسمة شعبيتها، وقد أصاخت لها معظم الصحف إلا جريدة "الحجاز" وهي صحيفة حديثة العهد بالحياة، فقد أنشئت سنة 1881 لصاحبها السيد سراج إبراهيم المدني، إذا استمر صاحبها في حملته على الأجانب "حيث كان يطعن في الدول الأجنبية طعنًا غير أدبي ويسقط عند الكلام في شأنها بما لا يليق وكثيرًا ما طلبناه ونبهنا عليه وشددنا في الأمر وحذرناه من الرجوع إلى مثل ذلك، فلم يرتدع ولم ينزجر ثم خالف المنشور العمومي الذي بعث به إليه وإلى جميع أصحاب الجرائد العربية إلى أن أتى في عدده الأخير بأزيد مما حذرناه منه مرارًا، فمن أجل هذا صدر قرار مجلس النظار بإلغاء جريدته لغوًا مؤبدًا"2.
والحكومة إذا حزمت أمرها في تهدئة الحالة بإغلاق الصحف المتطرفة وهي كما نعلم حكومة شعبية قد تؤاخ على مصادرة حرية الرأي بيد أنه حريصة على مصلحة مصر وإن أدى ذلك إلى تعطيل قليل من الصحف، وهي كذلك تأبى على الصحف الأجنبية في مصر أن تسيء إلى المصريين ومشاعرهم الدينية، فقد نشرت جريدة "ليجبت L صلى الله عليه وسلمgypte في 2 أكتوبر سنة 1881 مقالًا عرضت فيه بالنبي محمد، صلى الله عليه وسلم، فهاجت لذلك الصحافة المصرية ولفتت النظر إلى هذا المقال فصدر الأمر بتعطيلها3.