القبور، لكن هؤلاء ينكرون عذاب الأبدان في البرزخ فقط، ويقولون إن الأرواح هي المنعمة أو المعذبة في البرزخ، فإن كان يوم القيامة عذبت الروح والبدن معاً.
وهذا القول قاله طوائف من المسلمين من أهل الكلام وأهل الحديث وغيرهم، وهو اختيار ابن حزم، وابن مسرة، فهذا القول ليس من الأقوال الثلاثة الشاذة، بل هو مضاف إلى قول من يقر بعذاب القبر، ويقر بالقيامة، ويثبت معاد الأبدان والأرواح.
لكن هؤلاء لهم في عذاب القبر ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه على الروح فقط.
والثاني: أنه عليها، وعلى البدن بواسطتها.
الثالث: أنه على البدن فقط.
وقد يضم إلى ذلك قول من يثبت عذاب القبر، ويجعل الروح هي الحياة، ويجعل الفساد قول منكر عذاب الأبدان مطلقاً، وقول من ينكر عذاب البرزخ مطلقاً، والفلاسفة الإلهيون يقرون بذلك ينكرون معاد الأبدان.
فهؤلاء يقرون بمعاد الأبدان، لكن ينكرون معاد الأرواح ونعيمها وعذابها بدون الأبدان، وكلا القولين خطأ وضلال، لكن قول الفلاسفة أبعد من أقوال أهل الإسلام، وإن كان قد يوافقهم عليه من هو متمسك بدين الإسلام، بل من يظن أنه من أهل المعرفة والتصوف.
والقول الثالث الشاذ: قول من يقول أن البرزخ ليس فيه نعيم ولا عذاب، بل لا يكون ذلك حتى تقوم الساعة الكبرى، كما يقول ذلك من يقوله من المعتزلة ونحوهم، ممن ينكر عذاب القبر ونعيمه، فجميع هؤلاء الطوائف ضلال في أمر البرزخ، لكنهم خير من الفلاسفة فإنهم مقرون بالقيامة الكبرى، وأما الأحاديث الدالة على نعيم القبر وعذابه فهي كثيرة جداً، بل لو قيل أنها بلغت التواتر في المغالبة لم يبعد ذلك، فمنها ما تقدو من أحاديث مسألة منكر ونكير، وفيها كفاية، ومنها ما لم أحط به ولم أطلع عليه، ومنها ما اطلعت عليه واختصرته للتطويل، ومنها ما أذكره للتنبيه، فقد ثبت في الصحيحين «من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان