أردت مالي بالغابة، فأدركني الليل، فآويت إلى قبر عبد بن عمرو بن حزم، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال: ذاك عبد الله، ألم تعلم أن الله قبض أرواحهم، فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت، وعلقها وسط الجنة؟ فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم، فلا تزال كذلك، حتى إذا طلع الفجر، ردت أرواحهم إلى مكانهم التي كانت» .
وأخبر سبحانه وتعالى عن أرواح قوم فرعون، أنها تعرض على النار غدواً وعشياً قبل يوم القيامة، وليس للعقول في هذا مجال، فإنه سبحانه وتعالى يتصرف فيها كيف شاء، وغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائراً، أو يجعل في جوف طائر، أو في حواصل طير، أو في قناديل معلقة بالعرش.
قال العلامة ابن القيم: وهذه حياة أرواح ورزقها، والأبدان قد تمزقت.
وقد فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الحياة، بأن أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع عليهم ربهم اطلاعه فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ يفعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا.
قالوا: نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم الحديث من غير وجه، وفي بعض الألفاظ تعلق من ثمر الجنة وتعلق ـ بضم اللام ـ: تأكل العلقة.
«وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله على رسوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون} » رواه الإمام أحمد.