قال الله تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} فالبرزخ: اسم لما بين الدنيا والآخرة، وهذه الآية دالة عليه، وهذا البرزخ يشرف أهله فيه على الدنيا والآخرة، وعذاب القبر ونعيمه: اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، فجعل الله سبحانه وتعالى الدور ثلاثة: دار الدنيا، ودار البرزخ، ودار القرار، وجعل لكل دار أحكاماً تختص بها، وركب هذا الإنسان من بدن ونفس، وجعل أحكام الدنيا على الأبدان، والأرواح تبع لها، ولهذا جعل الله تعالى الأحكام الشرعية على ما يظهر من حركات الإنسان والجوارح، وإن كان في النفس خلاف ما ظهر منها.
وجعل أحكام البرزخ على الأرواح، والأبدان تبع لها، فكما تبعت الأرواح الأبدان في أحكام الدنيا في نعيمها وعذابها، تبعت الأبدان الأرواح في نعيمها وعذابها، فالأرواح في البرزخ هي المباشرة للنعيم والعذاب، ثم يسري إلى أبدانها، كما تجري أحكام الدنيا على الأبدان فتسري على أرواحها، فالأبدان في الدنيا ظاهرة، والأبدان خفية.
وإذا أردت أن تعلم ذلك فخذ في نوم الشخص في الدنيا، فإنه ينعم في حال نومه أو يعذب، فهو يجري على روحه أصلاً، والبدن تبع لها، وقد يقوى التأثير في البدن حال النوم حتى يشاهد، وهذا ـ والله أعلم ـ غالب الناس يشاهد هذا في منامه.
ولقد أخبرني الشيخ نصير المقدسي ـ وكان من صلحاء أهل مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر ـ قال لي: ثلاث ليال، أرى في النوم، كأن أناساً يستعملونني بالفاعل، وأخلف منهم خوفاً شديداً، فأعمل، ثم أصبح في هذه الأيام وأنا تعبان في غاية التعب، ثم قال لي: انظر إلى يدي، فنظرت، وإذا بكفيه شلافيط كبار، فكان ينزل الفجر يقرئ الناس، فامتنع في النزول في تلك الأيام، ثم أني أرشدته إلى ذكر يقوله عند النوم، لعله أن يصرف عنه ما يجد، وربما قص علي منامات لبعض الناس، يرى أنه