وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ الناس عند القبور، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري ومسلم «من حديث علي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس وجلسنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، وجعل ينكت بمخصرته، وقال: ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة فقالوا: يا رسول الله، أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: اعملوا وسددوا وقاربوا، وكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ الآية: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * وأما من بخل واستغنى * وكذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى} » .
«وفي الصحيح أيضاً: أنه كان يقف عند الدفن ويقول: استغفروا لأخيكم، واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» .
وليعلم، أن عمارة الأحياء والأموات ليست من خارج، «فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» فعمارة القلب هي العمارة النافعة، والميت في قبره كذلك، ليست بزخرفة القبر ولا التربة ولا تزويقها، وإنما العمارة بالصدقة عن ساكنها وأفعال القرب عنه، وقد تقدم هذا في الباب الذي قبله.
أما علم، أن القبر الذي يزخرف ظاهره، فإن باطنه مظلم ضيق، وقد طرح فيه، من هو أحب أقاربه إليه فريداً وحيداً، مستوحشاً من غير وسادة ولا تمهيد، وقد باشر الثرى وواجه البلى، وترك دنياه بالورى، ونبذ منها ما كان بيده بالعرا، مع حبيب تركه، وقرين أسلمه، فكل ما ذكرته لك يا أخي يفطم النفوس عن الشهوات، وتعلم أن عمارة البواطن أولى من عمارة الظواهر، وهي العمارة النافعة في يوم القارعة.
فإذا بحثت عن الحقيقة، ونظرت