بعين البصيرة، علمت أنك عن قريب صائر إلى ما صار إليه، وقادم على ما قدم عليه، فإن العبد بينما هو يمرح في أمنيته، غافلاً عن يوم مصرعه، إذ هجمت عليه المنية، فهتكت أستاره، وكسفت أنواره، وطمست أعلامه وآثاره، فأخرجته من قصر مشيد وبيت حميد، مزخرف نضيد، إلى حفرة من الأرض، كحفرة أخيه أو ولده أو غيرهما، مظلمة ضيقة الجوانب، مملوءة من الرعب والفزع، فإما هي روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار، أعاذنا الله منها.
قيل لبعض الزهاد: ما أبلغ الموعظة؟ قال: النظر في محلة الأموات.
فإذا كانت القبور النظر إليها موعظة، وهي أول منازل الآخرة، وعبرة لأهل الدنيا، فلا ينبغي التزين ولا التزخرف، ولا ما يفعله غالب الأغنياء من الأمراء والتجار، وغيرهم، من ضرب الخام والخيام وغيرهما في الترب، ووضع البسط والفرش تحت ذلك وينامون عليها، وإخوانهم تحت ذلك، على التراب في حفرة ضيقة مظلمة، فأي موعظة تعظ هؤلاء بموتاهم؟ ! بل هذه غفلة، نسأل الله تعالى السلامة منها.
«وكان عثمان رضي الله عنه ـ إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتبكي من هذا؟ ! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه» .
«وروى الترمذي في جامعه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه»
وروى الترمذي أيضاً، «من حديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلاه، فرأى ناساً كأنهم يكتشرون، فقال: أما إنكم لو