وشكا الأحنف إلى عمه وجع ضرسه، فكرر ذلك عليه، فقال: ما تكرر علي؟ لقد ذهبت عيني منذ أربعين سنة، فما شكوتها إلى أحد!

ومن المنافاة للصبر والرضا: الهلع عند ورود المصيبة، وهو الجزع، قال الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا} قال الجوهري: الهلع: أفحش الجزع، وقد هلع بالكسر فهو هالع وهلوع.

«وفي الحديث: شر ما في العبد شح هالع وجبن خالع» .

قال العلامة ابن القيم ـ رحمه الله ـ: هنا في هذا الحديث أمران: أمر لفظي وأمر معنوي.

فأما اللفظي، فإنه وصف الشح بكونه هالعاً، والهالع صاحبه، وأكثر ما يسمى هلوعاً، ولا يقال: هالع له، فإنه لا يتعدى، وفيه وجهان:

أحدهما ـ أنه على النسب، كقولهم: ليل نائم، وشر قائم، ونهار صائم ويوم عاصف، كله عند سيبويه على النسب، أي ذو كذا.

والثاني ـ أن اللفظة غيرت عن بابها للازدواج مع خالع، وله نظائر.

وأما المعنوي فإن الشح والجبن أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحه هالعاً، أي ملولة في الهلع، وجبنه خالعاً، أي قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة ولا شجاعة، كما يقال: لا يطرد ولا يثرد، انتهى كلامه.

وروى سعيد بن منصور في سننه: «حدثنا إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم، عن يحيى بن جابر، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما يحبط الأجر في المصيبة؟ قال: تصفيق الرجل بيمينه على شماله والصبر عند الصدمة الأولى فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط» .

«وذكر بإسناده أيضاً، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن القوم ليصابون بالمصيبة فيجزعون ويهلعون، فما يكون لهم من أجرها شيء فيمر بهم الرجل من المسلمين، فيسترجع، فيكتب الله عز وجل له

طور بواسطة نورين ميديا © 2015