وأما البكاء والحزن من غير صوت ولا كلام محرم، فهو لا ينافي الصبر والرضا، وقد تقدم لنا قريباً من ذلك.
قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم} قال قتادة: كظيم على الحزن، فلم يقل إلا خيراً.
مع قوله تعالى: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} وقوله تعالى عنه في أول السورة: {فصبر جميل} وقد «جاء في أثر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: من بث لم يصبر» لكن يعقوب عليه السلام ابيضت عيناه من البكاء، ولم يناف حزنه وبكاءه صبره، فإنه عليه السلام ما شكا بثه وحزنه إلى مخلوق، وإنما شكاه إلى الله.
وروى حماد بن سلمة، «عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: ما كان من العين ومن القلب فمن الله والرحمة، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان» .
قال خالد بن أبي عثمان: مات ابن لي، فرآني سعيد بن جبير مقنعاً، فقال لي: إياك والتقنع، فإنه من الاستكانة.
وقال بكر بن عبد الله المزني: كان يقال: من الاستكانة الجلوس في البيت بعد المصيبة.
وقال عبيد بن عمير: ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع القول السيئ، والظن السيئ.
ومات ابن لبعض قضاة البصرة، فاجتمع إليه العلماء والفقهاء، فتذاكروا ما تبين به جزع الرجل من صبره، فأجمعوا أنه إذا ترك شيئاً مما كان يصنعه فقد جزع.
وقال ابن عبد العزيز: مات ابن لي نفيس، فقلت لأمه: اتق الله واحتسبيه عند الله واصبري، فقالت مصيبتي به أعظم من أفسدها بالجزع.